يقول السائل : أبي متوفى، هل يجوز أن أحج عنه بعد حجي؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا بأس أن تحج عن أبيك المتوفى، بعد أن تحج عن نفسك، إلا إذا كان أبوك وصاك أن تحج عنه، في هذه الحالة يكون حجك عنه من باب الصلة به بعد وفاته، ولعل هذا يبلغه فيسره أنك نفذت الوصية، فهذا على هذا الوجه لا بأس، وأما إذا كان ابتداء، فتقدم كون الإنسان يحج عن نفسه، ويعتمر عن نفسه، وتكثر الدعاء لوالدك، وهذا هو الذي ثبت في السنة الدعاء، وهو الذي أجمع العلماء عليه، هو الدعاء، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدا صالح يدعو له))(1)، وعند ابن أبي الدنيا بسند جيد ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)) وذكرها عليه الصلاة والسلام، فذكر دعاء الولد، وتقدم أنه أن هذه الأشياء هي التي يتسبب الإنسان فيها، ولهذا ذكر الولد، لأن الوالد هو السبب في وجود الولد، فلم يذكر مثلا والدًا يدعو له، أخًا يدعو له، عمًا يدعو له، وإن كانوا هؤلاء دعائهم نافع، لكن دعاء هؤلاء لهم، لأنه ليس سبب في وجودهم، أما ولدك أنت سببا في وجوده، وهو حينما يدعو، فالدعاء لك من جهة أنك تسببت في وجوده، ودعا لك، مثل العلم الذي ورثته، والصدقة الجارية التي أوقفتها، أما غيرك، فغير الولد، فهو إن دعا لك يرجى خير، ولهذا يتأكد حق الولد الصالح، ذكر الولد الصالح مع أن غير الولد الصالح أيضا كذلك، لكن ذكر الولد الصالح لأنه هو أحرى بالحرص على الدعاء للوالد، وكذلك أيضا دعائه أقرب إلى الإجابة من جهة صلاحه، واجتهاده في الدعاء لوالده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه مسلم (1631)، وأبي داود (2880)، والترمذي (1430)، والنسائي 6/ 251