يقول السائل : أتيت مكة للعمل وأحرمت في الطائرة بالعمرة ثم قمت بعمل عمرة ، وأنا مقيم بالعوالي بمكة وأريد عمل عمرة أخرى؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
إذا كنت جلست خمسة عشرة يومًا فهذه مدة فاصلة بين العمرتين ومخولة لأخذ عمرة أخرى عند أحمد وغيره، لأنه قد سئل رحمه الله: العمرتين والعمرة فتوقف وقال: مرة يعنى أنه معنى كلامه يفصل بينهما وذكر أثر عن أنس رواه الشافعي وفي سنده بعض الجهالة، أنه كان إذا حمم رأسه خرج رضي الله عنه فأخذ عمرة (1)، إذا حمم رأسه، حمم يعنى خرج شعر رأسه وذلك أن المعتمر لابد أن يحلق أو يقصر، السنة الحلق أو التقصير فإذا كانت السنة الحلق أو التقصير فكونك مثلاً تخرج للعمرة بعده مباشرة فلو كان إنسان يقول: أنا لي شعر أو قصرت فأخرج ثانية أقول: هذا الفعل لا يشرع يعنى السنة أنك تحلق، يعنى حينما الإنسان يقصر السنة أنك تحلق رأسك، فلو قصرت لا بأس لكن السنة هو الحلق.وعلى هذا قالوا: يشرع أن تكون العمرة بعدها في مدة يطول الشعر يمكن حلقه تحصيل السنة، يمكن حلقه لتحصيل السنة ثم هو لم يكن من هدي النبي r، ولا من هدي أصحابه بل قال بعض العلماء أنه بدعة، أخذ العمرة كل يوم وإن كان ظاهر كلام كثير من أهل العلم كما تقدم لنا أنه لا بأس به لكن هذي المصطفى r في هذا وكذلك أيضًا هدي أصحابه رضي الله عنهم، بل في حياته r وهو في الأبطح وأصحابه تحللوا ولم يمر أحد منهم أن يأخذ عمرة كما تقدم وهي عمرة ومكة قريبة منهم، والحل قريب منهم إنما أمر عائشة وعائشة ما أمرها ابتداء وما طلب منها ذلك هي التي طلبت ولم يجبها حتى ألحت، هذا كله في الحقيقة يدل على أنها في الأصل غير مشروعة النبي أجابها لأنها قالت: يرجع صواحبي بحج وعمرة يعنى حجة مستقلة وعمرة مستقلة أرادت يعنى متمتعًا خاصًا(2)، وإلا النبي r قال: (3)في طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يسعك لحجتك وعمرتك لم يأذن لها، والنبي لو كان هذا مشروع لأجابها مباشرة لكن لما ألحت رضي الله عنها طيب نفسها، وهذا واضح في الحقيقة، لأنه لا يمكن تكون طيبة نفسها نقول: لا لأنها لم يجبها على هذا الأمر ابتداء وقال: يسعك حجك، يعنى نحن نقول للإنسان نقول كما قال النبي r: يسعك طوافك بالبيت وسعيك يسعك لعمرتك، جواب النبي إذا كان هذا في لعائشة رضي الله عنها وهي لم تأخذ عمرة مستقلة بل عمرة مضمومة إلى الحج، فالذي أخذ عمرة مستقلة يسعه طوافه بين الصفا والمروة وطوافه بالبيت يسعك ويكفيك لعمرتك وعليك أن تكثر من الطواف، تكثر من أعمال الخير في الحرم، لا أدري الذين يذهبون إلى الحل أو التنعيم فيرجعون لا أدري أيؤجرون أم يؤزرون (4) فكله تشكيك في هذا الباب لكن من أصر يعنى اليسر كما قال النبي r، يعنى من قال مثلاً نقتدي بالنبي r نقول: لا باس بذلك ويذهب كما النبي أذن لعائشة، عائشة كان أخوها عبد الرحمن معها كانت مردفًا لعائشة وقال: اذهب بأختك،(5) فأردفها على الحقيبة معه عبد الرحمن وهو معها يسير معها وسوف يطوف معها ويسعى ومع ذلك ما أمره ليأخذ عمرة، دليل بين يعنى لو أن إنسان أراد أن يذهب بوالدته أو زوجته للتنعيم تأخذ عمرة فهو سيذهب معها ويرجع ويطوف معها ويسعى معها يأخذ عمرة ولا ما يأخذ عمرة؟ يقول: أنا سوف أسير معك بكل خطوة إذًا الصحيح أنك تأخذ عمرة أليس كذلك؟
مع ذلك النبي لم يقل لعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، لم يقل له خذ عمرة عليه السلام، إنما معها لأجل أن يعينها على العمرة رضي الله عنها، لكن من أصر وطلب العمرة فيقال له: لا بأس بذلك وهذا قول جماهير العلماء ولكل دليل.هذا السنة الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة:196]، السنة أن تكون العمرة منشأة، قال علي رضي الله عنه: إتمامهما هو أن تحرم بهما من دويرة أهلك، إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك هذا هو(6). أخذت عمرة ثم رجعت لبلدك تأخذ، هذه هي العمرة التامة والعمرة التي صنعها النبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه الشافعي في المسند (778)، والبيهقي في السنن الكبرى (4562) وفي معرفة السنن (7/46) والبغوي في شرح السنة(7/12).
(2) أخرجه البخاري رقم (294). ومسلم (120) (1211).
(3) قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وكانت قارنة : ( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجِك وعمرتك ) رواه أبو داود (1897) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1984(.
(4) فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس – أجل أصحاب ابن عباس - قال : " الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون ؟ قيل : فلم يعذبون ؟ قال : لأنه يدع الطواف بالبيت ، و يخرج إلى أربعة أميال و يجيء ، و إلى أن يجيء من أربعة أميال [ يكون ] قد طاف مائتي طواف ، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء " .
(5) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ» فَاعْتَمَرَتْ. أخرجه البخاري رقم (1518).
(6)عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قَالَ: «أَنْ تُحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ».
أخرجه ابن أبي شيبة (12689) ، والحاكم (3090)، والبيهقي في السنن الكبرى (8704) قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي!