هل يجب قضاء صيام رمضان لسنوات ماضية إذا كان تركه تهاونًا وجهلًا، وإن وجب فما كيفية قضاؤه ترتيبًا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
جمهور العلماء: لا يجعلون الجهل عذرًا، بل يجب عليه قضاء الصوم، يجب عليه قضاء الصلاة، ومن أهل العلم من فرق بين من يكون معذورًا بجهله، ومن لا يكون معذورًا بجهله وهذا أقرب؛ لأن من سبب الوجوب هو العلم، فإذا فات سبب الوجوب سقط الوجوب؛ لأن الشرائع، من قواعد الشيء أن الشرائع لا تلزم إلا بالعلم.فإن قواعد الشريعة، أن العجز عن الشيء أو عدم القدرة عليه سببٌ في سقوط التكليف فيه، وهذا له أدلة كثيرة، في الحقيقة هو أظهر القولين.وقد أيده شيخ الإسلام رحمه الله بأدلة كثيرة حتى بين أهل الإسلام، فإذا كان هذا بين أهل الإسلام ومع ذلك سقط عنه الواجب، فمن كان في بلادٍ نائية عن بلاد الإسلام من باب أولى، والإنسان أسلم ولم يعلم وجوب الصلاة، ولم يكن مفرطًا، بمعنى أنه لم يستند جهله إلى تفريط.أما من استند جهله إلى تفريط ويمكنه السؤال مثل هذا لا يعذر، ثم علم أن الصلاة واجبة، وهو لم يصلي سنةً كاملة، الصحيح أنها لا تجب عليه. ثبت في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم في قصة الصحابة الذين كان أحدهم يضع خيطًا أبيض، وخيطًا أسود ويأكل حتى يتبين هذا من هذا، ولم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقضاء(1).
كذلك قصة أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ -رضي الله عنه- وفيه أنها حاضت أنها سبع سنين لم تكن تصلي، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا ليس بحيض، وإنما هي استحاضة، ولم يأمرها بالإعادة(2)، وأدلة كثيرة تدل على هذا الأمر، لكن إذا كان هذا عن غير تفريط، كما في سؤال السائل لكن إن كان تهاون فإنه يلزمه.
لأن السائل قال: إذا كان تركه تهاون وجهلًا، أما التهاون له صورة، هذا أمرٌ منكر، أما الجهل فرقٌ بين التهاون والجهل، إذا كان جهلًا وهذا الجهل يعذر فيه، فكما تقدم، فإذا قيل يجب عليه القضاء فإنه يقضيه مرتب رمضان، أو رمضانين.
ثم جمهور العلماء: إذا كان التأخير تأخر عن رمضان الماضي إلى رمضان ثاني، فجمهور العلماء يقول: عليه عن كل يوم إطعام مسكين نصف صاع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه البخاري (4510) ومسلم (1090).
(2)عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:" جَاءَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَاشْتَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستفته فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي" قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَكَانَتْ تَجْلِسُ فِي الْمِرْكَنِ فَيَعْلُو حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ ثُمَّ تصلي".
أخرجه أحمد 6/187 ، ومسلم [334] في الحيض: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها.