ما صحة صيام ست من شوال مع نية قضاء أيام من رمضان أو مع صيام عشر ذي الحجة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
لا يجزئ أن يصوم ست من شوال مع قضاء رمضان؛ لأن قضاء رمضان واجب وصيام ست من شوال سنة، قال بعض أهل العلم من المالكية إنه لا بأس أن يصوم لو كان عليه قضاء ستة أيام أو عشرة أيام فصام منها ستةً قضاءً وأدخل معها نية صيام ست من شوال وكان قصده القضاء فإنه يجزئه ذلك لكن لا يكون أجره كأجر من صامها وحدها ولم يُدخلها مع القضاء، وهذا قول فيه نظر والصواب هو قول الجمهور في هذه المسألة وأن صيام ست من شوال صيام مستقل ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال»(1). "أتبعه" وهذا لا يحصل على هذه الصورة بل مخالف للحديث وهذا فضل خاص منقول وهذه الصورة مخالفة لهذا النص من جهة ظاهره ومخالفة أيضًا له من جهة المعنى، فهي مخالفةٌ له لفظًا لظاهره ومخالفةٌ له معنىً، لأن الحديث فيه: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال، بمعنى أنه أتم شهرًا كاملًا فيحصل له به صيام عشرة أشهر كما في حديث ثوبان(2)، وصيام ستة من شوال يحصل له بها صيام شهرين فيكون كأنه صام سنةً كاملة كما أتى في حديث ثوبان وهو حديثٌ جيد، وحديث ثوبان واضح في الدلالة على أن الصوم ست من شوال صيامٌ منفرد مستقل، وإن احترزوا قالوا إنه ليس كالفضل الوارد في ستٍ من شوال، لكن من أين لكم الدليل على هذا التفصيل، وأنه يحصل له هذا الفضل الوارد ويحصل له فضلٌ لكن دون صيام ستٍ من شوال، إذ الفضائل منقولة ولا يمكن أن يُدَّعى فيها شيء بغير نقل، ثم هذا الفرض زاحمه نفل فربما غض من رتبته والنبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول: "وما تقرب إليَّ عبدي بأحب إليَّ مما افترضته عليه"(3) وهذا قد ضايق الفرض بالنفل فينقص أجر الفرض من جهة مداخلة نية النفل، فهذا وجهٌ آخر وهو نقص الأجر لهذا الفرض حيث لم تكن نيته متمحضةً لهذا الفرض، ولا شك أن هذا يغض من رتبة هذا الصوم بخلاف النية المستقلة التي ينوي بها صيام ست من شوال قضاءً فرضاً، فهذه الصورة على هذا الوجه لا دليل عليها فتحتاج هذه الدعوى إلى دليل.أو مع صيام عشر من ذي الحجة، صيام عشر من ذي الحجة أيسر؛ لأن هذا نفل وهذا نفل لكن حينما يصوم عشر ذي الحجة فإنه إما أن ينوي صوم عشر ذي الحجة وهذا هو الأتم والأكمل ولذا الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن جنس هذه المسألة وقال أرى أن يقضي رمضان ونحو ذلك في غير عشر ذي الحجة حتى يخلص قضاء عشر ذي الحجة لصومها نفلًا خالصًا ولا يخالطه نية أخرى، لكن لو أنه اختار هذه الأيام وعشر ذي الحجة فصامها بنية ست من شوال هذا لا بأس به؛ لأن عشر ذي الحجة صومها ليس بواجب، فإذا صام في هذه الأيام حصل له فضلٌ من حيث الجملة لأنها أيامٌ فاضلة كما لو صام يوم الاثنين والخميس
فرَّق قضاء رمضان في يوم الاثنين والخميس، فإن تخصيص هذه الأيام له فضل يوم الاثنين والخميس لما ورد في الاثنين والخميس(4) وكذلك لو خص القضاء بالأيام البيض، لكن قد يقال كونه يبادر إلى قضاء رمضان أفضل من كونه يؤخر وإن لم يوافق هذه الأيام وهذا أتم وأكمل، يعني لو قال إنسان أنا أريد أن أجعل قضاء رمضان أو أجعل الست من شوال في يوم الاثنين والخميس -أفرقه- نقول كونك تبادر إلى الصوم، صوم القضاء إن كان عليك قضاء، أو صوم الست من شوال إذا لم يكن عليك قضاء فهو أفضل من كونك تؤخر؛ لأن فيه مسابقة ومسارعة للخيرات ولأنك لا تدري هل تدرك هذه الأيام أو لا تدركها، وهو أبلغ إلى تفريغ الذمة من الواجب إن كان قضاءً وأداء هذه السنة إن كانت ستًا من شوال، لكن لو خصصها لسببٍ من الأسباب فلا بأس من ذلك، كذلك لو خصه في ستٍ من شوال في صوم رمضان وجعله ستًا من شوال ، وقد يقال كونه يصوم هذه العشر وينوي بها قضاء صيام رمضان لعل بعض الكلام تداخل في مسألة الست والقضاء لكن القصد من هذا كونه يخص عشر ذي الحجة بالقضاء كما تقدم هذا لا بأس به، وإن كان سبق كلام خلاف هذا فهو سبق لسان يعني لأن ست من شوال في شوال معلوم، إلا على قول ضعيف أنها يمكن أن تصام بعد ذلك وأنه ليس المقصود ست من شوال وأنه يحصل بغيرها هذا قولٌ ضعيف، هذا قولٌ قاله بعض المالكية رحمة الله عليهم لكنه قولٌ ضعيف إن لم يكن باطلًا، أما تخصيص عشر ذي الحجة بالقضاء هذا وإن كان جائزًا لكن الأولى أن يبادر الإنسان بقضاء رمضان قبل أن تأتيه هذه الأيام الفاضلة وهذا هو الأكمل، حتى يخصها بالأعمال الصالحة ومن ذلك الصوم إن تيسر له ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم (1164).
(2) عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستةٍ أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة).أخرجه أحمد (22412( والنسائي في الكبرى (2860)، وابن ماجه (1715).
(3) أخرجه البخاري رقم (5602).
(4) أخرج الترمذي (747) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ( و صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .