هل البكاء في الصلاة متعمدا بدون خشية كشكوى من أمر الدنيا هل يبطل الصلاة؟
الحمدلله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ,
البكاء في الصلاة فيه خلاف عموما حتى ولو كان البكاء من خشية الله ، والصواب أن البكاء من خشية الله لا بأس به مشروع ، لكن لا يكون على سبيل التكلف الذي يقلق ويزعج ، إنما لو حصل شىء من الخوف والخشوع ودمعت عينه وحصل بكاء ونحيب وصوت هذا مما يحمد العبد عليه، أما البكاء بدون خشية كإنسان يصاب في أمر من أمور الدنيا فهذا البكاء لا يُشرع، بل هذا البكاء من الأمر الممنوع، بمعنى أنه يبكي من أجل مصاب من أمر الدنيا، إذا كان يستدعيه ويطلبه وكان بصوت فهذا يبطل الصلاة في الحقيقة لأنه ينافي الخشوع الصلاة وينافي الحضور فيها ، وهذا قول جمهور العلماء ، بل إن كثيرا من أهل العلم على إنه يبطل الصلاة حتى ولو غلبه البكاء ، وهذا قول للمالكية رحمة الله عليهم وظاهر كثير من أهل الفقه ، والأظهر والله أعلم : إن كان هذا الأمر غلبه بغير اختيار مثل: إنسان حصل له مصيبة في أمرٍ من أمور دنياه فتذكر فى الصلاة أو كان متأثر به من الأصل قبل الصلاة ثم عرض له البكاء الذي غلبه.
فالأظهر والله أعلم أنه لا شىء عليه ولا يبطل الصلاة ، فسائر ما يغلب الإنسان ، وليس بأشد حال من الجاهل الذي يتكلم وهو جاهل ، فالجاهل حينما يتكلم أو الناسي صلاته لا تبطل على الصحيح، فمن باب أولى الإنسان الذي غلب على مثل هذا، فالمقصود إذا كان يستدعيه ويطلبه هذا ينافي حال الصلاة وهو ضد المقصود منها ، ذلك أن البكاء يكون من خشية الله تعالى فهذا نوع تسخط ونوع جزع، فهو منهي عن هذا خارج الصلاة فكيف إن كان داخل الصلاة، لكن إذا كان غلبه ففي هذه الحال لا بأس ، إلا أنه إذا كان الواقع أنه كان يجهل الحكم فوقع جهلاً فهذا محتمل أن يقال أنه لا شىء عليه، كما تقدم من أن الجاهل معفوٌ عنه كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه لما قال في الصلاة: (واثُكل أُمِّياه! )(1) ولم يأمره النبي بإعادة الصلاة ،كذلك في الصحيحين من حديث عن أبى هريرة عن الأعرابي الذي قال وهو في الصلاةِ : اللهم ارحَمْني ومحمدًا، ولا تَرحَمْ معَنا أحدًا ..) (2) إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على أن الجاهل يعفى عنه خاصة في هذا الأمر الجهل به وارد ممن يقع منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم (537).
(2) أخرجه البخاري (6912) ، ومسلم (1710).