يقول السائل : حديث عائشة في اشتراط الاعتكاف رواه أبو داوود ما صحته؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
حديث عائشة نعم في أبي داوود وفيه «وألا يشهد جنازةً»(1) أو كذا وأن من السنة للمعتكف ألا يعود مريضًا ولا يشهد جنازةً ولا كذا، وقد جاء مرفوعاً وجاء موقوفاً ولم يثبت مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأخذ العلماء الاشتراط في الحج اشتراط الاعتكاف بالاشتراط في الحج، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن لك على ربك ما استثنيت»(2) وقال: حجي واشترطي»(3) فإنه له شرطه، فإن له أن يشترط هذا الشرط لقوله «إن لك على ربك ما استثنيت» فقالوا إن عموم قوله: «إن لك على ربك ما استثنيت» في جوابها عام يشمل في الحج وغير الحج «إن لك على ربك ما استثنيت» فهذا كما إنه في الحج فكذلك في غير الحج، فهذا فيه نظر من جهة الاعتكاف أنه لا دليل، ولهذا يرى بعض أهل العلم قول مالك وعطاء إلى أنه لا اشتراط في الحج، وهذا هو الأرجح، والجمهور يقولون: من أراد أن يشترط يشترط، يشترط الخروج مثلًا لزيارة فلان أو نحو ذلك، ويشترك فهذا ولم ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينقل عن أصحابه رضي الله عنهم خاصةً أنه اجتهد الكثيرون في مثل هذا الشيء، ومن المعكتف وسكوت النبي وأصحابه يدل على خلاف ذلك، أيضًا النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من كان اعتكف معي فليعتكف»(4)، في الصحيحين، وفي صحيح مسلم «من أحب أن يعتكف معي فليعتكف»(5) ولم يقل: إلا من اشترط؛ لأن الذي اشترط له الخروج، النبي عليه الصلاة والسلام قال: "فليعتكف"، ويعقبه البقاء، إنما الذي ورد في ذلك الاستثناء في حديث عائشة وفيه: «إلا لحاجة»(6) في الصحيحين،وفي مسلم"حاجة الإنسان"(7) وهذا يبين أن الذي يخرج له أو يخرج له المعتكف هو الحاجة من لأجل حاجته للخلاء، أو حاجته للطعام والشراب، أو حاجة عارضة مثلًا، أما اشتراط فكما قال أيضًا ليس في الاعتكاف اشتراط، وعلى هذا إذا عرضت لإنسان حاجة ماذا يفعل؟ نقول: تخرج للحاجة، لو أن إنسان عرض له في اعتكاف أنه مرض أحد أولاده واحتاج إلى خروجه، الحمد لله خروجك لولدك عبادة لا يعارض عبادة الاعتكاف، مثلًا جاءت جنازة وأنت من عادتك شهود الجنائز، هل تشهد الجنازة أو تعتكف فيه خلاف، تقول: لو خرجت للجنازة، كان من عادتك قبل الاعتكاف تشهد الجنازة تبعتها لا بأس؛ لأنك خرجت من عبادة إلى عبادة ولا يضر، وفي الاعتكاف تخرج وترجع مباشرةً، كذلك لو احتاج أخوك لمساعدتك وليس له من يعينه إلا أنت، أو مات إنسان وليس هناك من يقوم عليه إلا أنت، أو ليس هناك من يكفي إلا بوجوده إلا أنت مثلًا فلك أن تخرج حتى تعود إلى اشتراط، ولهذا قال علي رضي الله عنه: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة رواه عبد الرزاق بسندٍ صحيح(8)، قال: يعود يعني ما أحد يشترط ويشهد الجنازة، وهذا هو الأظهر؛ لأن الاشتراط الذي ذكروه حصل فيه خلاف، والقاعدة أن المسائل التي يقع فيها خلاف يبين أن ليس لها أصلٌ ثابت ودليل بين ينتظمها، ولذا قيل بعدم الاشتراط، فإن هذا فإذا عرض لك حاجة من الحاجات فإنك تخرج لكن لا تخرج لغير حاجة، ثم إذا خرجت تبادر بالرجوع في أقرب وقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عن عائشةَ، أنها قالت: السُّنةُ على المُعْتكِفِ أن لا يَعُودَ مريضاً، ولا يَشْهَدَ جنازة، ولا يَمَسَّ امرأةً، ولا يُباشِرَهَا، ولا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلا لِما لا بُدَّ منه، ولا اعتكافَ إلا بِصَوْمٍ، ولا اعتكافَ إلا في مسجدٍ جَامعِ قال أبو داود: غيرُ عبدِ الرحمن بن إسحاق لا يقولُ فيه: قالت: السنة. قال أبو داود: جعلَه قولَ عائِشة.أخرجه أبو داود (2364).
قال ابن التركماني: جَعلُ هذا الكلام من قول مَن دونَ عائشةَ دعوى، بل هو معطوف على ما تقدَّم من قولها: السنة كذا وكذا، وهذا عند المحدثين من قسم المرفوع. رواه عروة عن عائشة مرةً، وأفتى به مرة أخرى، وقد أخرجه الدارقطني (2363) من حديث القاسم بن معن، عن ابن جريج، عن الزهري، بسنده. وفي آخره: ويؤمَرُ من اعتكف أن يصومَ. وأخرجه أيضاً (2364) من حديث الحجاج، عن ابن جريج، بسنده. وفي آخره: وسنةُ من اعتكف أن يصومَ.
(2) أخرجه الدارمي(1852), والترمذي(941)، والنسائي(2766),
(3)أخرجه البخاري (5089). و مسلم (1207).
(4)أخرجه البخاري (2027). و مسلم (213)(1167).
(5)أخرجه مسلم (215)(1167).
(6)أخرجه البخاري (2029). و مسلم (7)(297).
(7)أخرجه مسلم (6)(297).
(8)أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4/356 )، وابن أبي شيبة في مصنفه(9631) (2/500 )، والدارقطني في سننه (2359)، قال ابن مفلح في الفروع
(5/175) " وإسناده صحيح "اهـ.