يقول السائل : قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني إذًا صائم» معناه محمول على قوله الآخر «أرني الحيس فإني أصبحت صائمًا»، فيكون معنا قوله الأول «إني إذًا صائم» أيضًا ونويت الفطر وجدت ما أفطر وإلا فإني صائم،
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
كأنه يريد أن يقول: أن قوله عليه الصلاة والسلام «إني إذًا صائم»(1) يعني ليس من شأن الصيام إخبار عن الصيام، إخبار أنه صائم من أول النهار، وعلى هذا يكون قوله«إني إذًا صائم» يشمل صوم الفرد صوم النهار، لا هذا فيه نظر سياق الحديث يأبى ذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام جاء وسأل قال: «إني إذًا» وإذًا هنا المراد بها الاستقبال، تكون للاستقبال، تقول: أزورك، تقول: إذًا أكرمك، يعني حينما تزوروني وما أشبه ذلك فهي للاستقبال، «إني إذًا صائم» يعني فيما أستقبل أمري، ثم النبي عليه الصلاة والسلام قال: «هل من طعام؟» قال: كان يريد أن يفطر دل على أن صوم النفل يجوز الخروج منه، والخروج منه يبين أنه على خلاف صوم الفرض، وأن حكمه مخفف، فإذا كان حكم مخفف في جواز الخروج منه فكذلك في المسألة الأخرى وهو الدخول فيه مخفف في الدخول فيه، والمعنى هذا لابد منه؛ لأنه إذا خفف الخروج منه فمن الحكمة أن يخفف الدخول فيه ليحص المقصود، وإلا فلو خفف في الخروج منه ولم يخفف الدخول فيه لم يحصل المعنى المقصود؛ لأنه إذا قيل مثلًا تجب النية لصوم النفل، فمن صام فمن أمسك عن الطعام والشراب بغير نية وأراد أن ينوي الصوم يقال: لا، لا يصح لك الصوم، لكن من نوى الصوم من أول النهار وأراد الخروج قال: لك الخروج، المعنى في هذا الكلام لا يستقيم في الحقيقة؛ لأنه إذا خفف في الخروج منه؛ لأنه صوم نفلٍ، ويسر في الخروج منه، مع أن الخروج منه في الحقيقة الأولى تركه، ولهذا الأولى إتمامه، فإذا كان الأولى إتمامه، بمعنى لا يخرج منه فمن الأولى أن يكون الدخول فيه يجوز بغير من نية؛ لأنه أيسر لتحصيله، وأيسر لتحقيقه، وإلا قد يصبح إنسان لم يأكل ولم يشرب إلى صلاة العصر مثلًا، ولم يبقى إلا وقت يسير، هل نقول: على هذا نقول: لا يصح صومك؛ لأنك لم تنوي، فالمعنى يقتضي خلاف هذا، لما تقدم؛ لأنه لما يسر باب الخروج منه، فتجد تيسير باب الدخول فيه، فتيسير باب الدخول فيه أو لا، يعني أن يكون بغير نية، بشرط أن لا يكون تناول شيئًا أو أكل شيئًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " قُلْنَا: لَا، قَالَ: " فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ "، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا (3) آخَرَ، فَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ:، بَعْدَ ذَلِكَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَخَبَّأْنَا (4) لَكَ مِنْهُ، قَالَ: أَدْنِيهِ فَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ " أخرجه مسلم (1154) (170)،