مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - الحج 1435
السؤال :

يقول السائل : العشر ذي الحجة هل صامها النبي عليه الصلاة والسلام؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; لم يأت دليلٌ بين في المسألة، وقد ثبت في صحيح مسلم حديثان، حديث في صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت: "ما صام عليه الصلاة والسلام العشر قط"(1)، وعن حفصة من رواية أبي داود قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس .  (2)، وحديث حفصة سنده ضعيف، حديث عائشة استدل به من قال إنه لم يكن يصومها عليه الصلاة والسلام،  وجمهور العلماء وعامة أهل العلم بل يكاد يكون اتفاق لم ينقل عن أحد من أهل العلم أنه لا يشرع صومها بل قول أهل العلم قاطبة أن صوم العشر مشروع؛ أولاً لعموم الأدلة لقوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس (( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله)(3) قال: العمل الصالح ومن دلائل العموم هو دخول ال على المفرد فهو يدل على العموم وليس يرجع ال إلى معهود حتى نقول: خاصًا بل يرجع إلى جميع جنس العمل الصالح ثم قال وصفه الصالح وهنا يكون الوصف شاملاً لكل عمل لقوله الصالح، والصالح وصفٌ مشتق والاشتقاق مشعرٌ بالتعميم إذ ما منه الاشتقاق هو علة النهي أو علة الأمر وكل عملٍ صالح يدخل فيه فلو قال إنسان يدخل فيه كل عمل إلا الصوم نقول: هذا دعوى لا دليل عليها ثم النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث أبي أمامة عند النسائي بإسنادٍ صحيح لما سأله أي العمل أفضل قال: (( عليك بالصوم فإنه لا عدل له)) (4). حديث عائشة مقابل بحديث حفصة وإن كان حديث   حفصة فيه كلام لكن لا يجب، غاية ما في الأمر أن عائشة نفت صومها والنبي عليه الصلاة والسلام ليس عندها إلا يومًا واحدًا من تسع ليال قبل أن تهبها سودة ليلتها وهذا يقع من عائشة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفي شيئًا تثبته غيرها فيكون القول قول المثبت مثل قولها: ما زاد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشر ركعة(5)، مع أن ابن عباس أثبت أنه صلى ثلاثة عشر ركعة في الصحيحين(6) وزيد بن خالد الجهني أثبت أنه صلى ثلاثة عشر ركعة في صحيح مسلم،(7). وحديث ابن عمر (( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة)) (8) فهذا الحديث لو كان يعني النفي فيه أو متجه إلى النفي والنافي يعزو الشيء إلى علمه ثم نفت شيئًا عامًا وليس شيئًا محصورًا إنما يؤخذ بالنفي ويكون حجة إذا كان نفيًا محصورًا فإنه يكون حجةً على قول غيره لأن المحصور المحدود مطلعٌ النافي على الحال التي أثبتها غيره سواء حال معينة أو واقعة معينة فلهذا نقول: إما أن يكون صامها عليه الصلاة والسلام وعائشة نفتها، أو أنه عليه الصلاة والسلام لم يصمها، وكونها لا يصومها لا يشترط في الفعل أو الأمر المندوب أن تتضافر عليه السنة الفعلية والسنة القولية كونه حث على ذلك عمومًا عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الكثيرة لا نحتاج أن نستدل بدليلٍ آخر يكفي ذلك فلو قال قائل: هل فعلها الرسول عليه الصلاة والسلام نقول: سنته قولٌ وفعلٌ وتقرير، وعند بعض العلماء يكفي أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك وحث عليه بل هو عليه الصلاة والسلام لم يكن يداوم على سنة الضحى وكان يتركها ولم يصل التراويح عليه الصلاة والسلام إلا أربع ليالي هل نقول لا تشرع صلاة التراويح لأنه لم يصلها هل نقول لا يشرع الدوام على سنة الضحى لأنه لم يكن يداوم عليها، وهكذا وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها  قالت: ((كان يحب العمل))، يحب أي يعمل العمل، ((ويدعه مخافة أن يشق على الناس)) (9) وثبت في الصحيحين معناه أنه لما جاء إليهم وهم يسقون الناس ابن عباس فقال عليه الصلاة والسلام (( لولا أن أشق على الناس لوضعت هذه وأشار إلى حبل عاتقه فنزعت معكم)) ترك هذا خشية مع أنه عمل صالح وقال: (( اعملوا إنكم على عملٍ صالح)) (10) والنبي عليه الصلاة والسلام من أسرع الناس في العمل الصالح ولم ينزع معهم دلوًا ولا دلوين خشية أن يشق على الناس لأنه لو نزع فإن الناس ينظرون فعله فيصنعون مثل ما صنع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)أخرجه مسلم في صحيحه برقم 2846  (2)أخرجه أبو داود في سننه برقم 2437  ،والبيهقي في السنن الكبرى برقم 8176  (3)أخرجه البخارى ، رقم (926) ،و أحمد رقم( 3228)
(4) أخرجه النسائي 4/ 165  وابن خزيمة (1893) ، وابن حبان (3426) ، والحاكم 1/421، وأبو نعيم في "الحلية" 5/175 و7/165، والبيهقي في "الشعب" (3587) . (5) أخرجه البخاري ( 1909 ) ومسلم ( (738. (6)  أخرجه البخاري ( 1138 ) ومسلم ( (767.  (7)  أخرجه مسلم ( (738.
(8)أخرجه البخاري ( 946 ) ومسلم ( (749.
(9) أخرجه البخاري ٬ كتاب التهجد ٬ باب تحريض النبي صلى االله عليه وسلم على قيام الليل٬ رقم (1128) ٬ ومسلم ٬ كتاب صلاة المسافرين٬ باب استحباب صلاة الضحى٬ رقم (718). (10) أخرجه البخاري ( 1745 ) ومسلم ( (1317.


التعليقات