السؤال :
يقول السائل : أخت عمرها ست وعشرون سنة، وحاضت وعمرها ثلاثة عشر عامًا أو سنة ولم تكن تقضي أيام حيضها، وعليها الآن مائة يوم، سؤالها ماذا يجب عليها هل الصوم أو الكفارة أو القضاء؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
أولًا نعلم انه يا إخواني يجب على كل مسلم ومسلمة تعلّم أحكام الشرع، لا يجوز للإنسان أن يقدم على عبادة بغير علم، حينما تجب العبادة فيجب على الإنسان يتعلّم أحكام الله سبحانه وتعالى، هذه الأخت التي تركت قضاء الصيام أيام حيضها هذا ينظر؛ إن كان في تفريط منها وأهل العلم منها قريبون، وهذا هو الغالب على من يصوم بين المسلمين؟ إذ لا يخفى ويظهر لا يكاد يخفى خاصة مسألة الصيام، وهذا تفريط منها، عليها التوبة من هذا الفعل ثم الواجب عليها أن تكفّر.
وينظر في حالها ما دامت في هذا السن، فهي لا زالت في قوتها وشبابها، ويمكن لها أن تقضي هذه الأيام ما دام أنه حصل منها بتفريط وعدم سؤال، وإن كانت تظن خلاف ذلك؛ لأن التفريط في هذا يوجب عليها، وهذا قول جماهير العلماء، فتقضي هذه المائة يوم بحسب استطاعتها تجتهد، وإن شق عليها مثلًا سرد الصوم تفرد الأيام حتى تتم هذه المائة. وإن كانت تظن أنها لا تستطيع لمرض، وهذا المرض مستمر لا تشفى منه في الغالب أو على تقرير الطبيب أو غير ذلك حكمها حكم العاجز؛ أنها تطعم عن كل يوم مسكين،لا يحدد هذا هو القدرة على ذلك. ثم أيضًا مسألة أخرى، هل يجب عليها مع القضاء كفارة؟ جمهور العلماء يقولون من ترك قضاء رمضان حتى رمضان الثاني فله أحوال:
- تارة يمتد به المرض أو السفر حتى يأتي رمضان الثاني ولا يستطيع الصيام فهذا يقضي ولا كفارة عليه.
- وتارة يكون عدم قضاءه لعدم علمه بالحكم جاهل بالحكم، هذا قد يقضي في الحقيقة، ولكن الأظهر لا كفارة عليه.
- الحالة الثالثة أن يكون مثل هذه الحالة نوع تفريط وأيضًا أخرّه عمدًا وليس معذورًا في ذلك؛ فالجمهور يقولون إنه يقضي وعليه الكفارة؛ والكفارة إطعام نصف صاع عن كل يوم.
ولا يحتار في إخراج الطعام أو نصف صاع أن يكون لعدة مساكين ينزل على الصحيح كما أخرجه لمسكين واحد لا يخرجه إطعامه إلى حد الغنى؛ لأن المقصود ليس عدد المساكين، المقصود هو إخراج الكفارة، خلاف ما تقدم من الكفارات فإنه جاء النص عليها بالعدد، إما هذه مسألة اجتهادية ليست نصًا إنما عن الصحابة –رضي الله عنهم-؛ عن عمر وابن عباس وأبي هريرة رواه عبد الرزاق بأسانيد لا بأس بها عنهم، وذكره شريد عن ستة من الصحابة –رضي الله عنهم- والمسألة اجتهادية ليس فيها دليل بيّن، ولذا لو أنه أخرج هذه الكفارة لمسكين واحد ولو كانت أيام كثيرة، ولا يخرجه هذا الطعام إلى حد الغنى فلا بأس بذلك.
وذهب أبو حنيفة –رحمه الله- وهو اختيار البخاري وهو أنه يقضي ولا كفارة عليه، وقال البخاري إنه ذكر أثر عن أبي هريرة قال مرسل عن ابن عباس ثم قال: إن الله عز وجل قال:{ فعدة من أيام أخر} قال: ولم يذكر إطعامًا؛ فالبخاري اختار مذهب أهل القوة في هذه المسألة، ولاشك أن هذا القول قولي، ولا دليل بيّن على وجوب الكفارة، لكن من اختار وأخذ برأي الجمهور كان أمر واجب.
ولو فرض أن امرأة كانت جاهلة جهلًا مطلقًا تمامًا، ليس عندها أهل علم، امرأة لتوها أسلمت في بلاد الكفار مثلًا، أسلمت ولم تكن تقضي أيام حيضها حتى مضى على ذلك سنوات كثيرة مثلًا، أو فرض أنها تركت رمضان لم تصم رمضان أصلًا ولم تعلم به أصلًا، ولم تكن مفرطة فهذه المسألة هل يلزمها القضاء، الجمهور على ذلك.
وذهب بعد أهل العلم إلى أنها إن كانت في بلاد الحرب لا يلزمها وهو قول الأحناف، ومن أهل العلم من لم يفرق بين بلاد الحرب وغير بلاد الحرب، وهو اختيار شيخ الإسلام –رحمه الله- وقال:إن كل من ترك واجبًا ولم يكن مفرطًا فإنه لا يلزمه شئ؛ لأن الشرائع لا تثبت إلا بعد العلم قال عز وجل:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: 165] وقال سبحانه:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: 15]،وقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»(1).
قال لا يسمع فعلقه بالسماع، وهو دليل على اشتراط البلاغ، وهذا يرجع إلى قاعدة أصولية وهي؛ وهو الشرائع هل تثبت قبل العلم أو لابد من العلم؟ أو يفرق بين الشرع المبتدأ والناسخ على ثلاثة أقوال لأهل العلم في هذه المسألة، والصواب أن الشرائع لا تثبت إلا بالعلم، وهو ظاهر الأدلة بالكتاب والسنة وأدلته كثيرة، وكل من ترك عبادة ولم يكن مفرطًا وقد اجتهد في طاعة الله –سبحانه وتعالى- وفي اتباع أمره فإننا لا نأمره أمرًا ثانيًا إلا بدليل، ومن اتقى الله ما استطاع، فقد فعل ما أُمر، ومن انتهى إلى ما سمع فقد أحسن. فلا نقل ما سوى ذلك، وهذا هو ظاهر ما تقدم، وثبت في الصحيحين في حديث عدي بن حاتم(2) وسهل بن سعد(3) أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأكلون ويشربون وكانوا يضعون خيطًا أبيض وخيطًا أسود، فبين لهم النبي صلوات الله عليه تمام الآية:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: 187]، من الفجر وأنه بياض النهار وسواد الليل، وكانت حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت تستحاض وفيها أنها لم تكن تصلي وتظن أن هذا الدم دم حيض لا تصلي معه، وفيه أن النبي بيّن لها أن هذا لا يمنع الصلاة ولم يأمرها بأن تعيد الصلاة،(4)وأنها ظلت عليه سبع سنين رضي الله عنها إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة في هذا الباب، فمن لم يفرط في أمر الشرع فلا يؤمر ولا يكلف،ولو كان الشرع ثابت؛لأن من شرطه البلوغ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه مسلم (153) ،
(2) أخرجه البخاري (4510) ومسلم (1092)، حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(3) أخرجه البخاري (1917) ومسلم المستخرج (2451)، حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(4) حديث حمنة بنت جحش أخرجه مسلم (334)، وأبو داود (287) الترمذي (128)، وابن ماجه (622) هو في "مسند أحمد" (27144).