حكم صيام المسلم صيام النافلة مع عدم رضا والده ولا يعلم لماذا ، فماذا يفعل ؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
الأصل في طاعة الوالد أن المسلم يطيعه في المباحات ويطيعه فيما لا ضرر عليه فيه، وإذا كانت مصلحة الوالد في هذا الشيء. أما إذا كان ينهاه عن شيء وليس له مصلحة والولد له مصلحة في ذلك أو يتضرر بعدم هذا الشيء إنما يكون تعنتاً فهذا لا طاعة له فيه، وهذه جملة لها تفاصيل كثيرة، لكن يشار إلى ما جاء في السؤال وهو صوم النافلة، فصوم النافلة إذا طلب منه أبوه أن يفطر فهذا إن كان لأجل المصلحة لكون أبيه يحب أن يشاركه معه في الطعام والشراب عليه أن يطيع أباه، أما إذا كان ينهاه تعنتاً عن الصيام مثل أن يكون في بيت مستقل عن والده وهو يزوره مثلاً في طرفي النهار أو يزوره من يوم إلى يوم ويمر مجموع النهار وهو في بيته فيأمره بالإفطار هذا لا مصلحة في فطره فيه، لا مصلحة لأبيه أن يأمره بالفطر الأمر بالفطر هنا تعنت.
أما إن كان أبوه دعاه لئن يتغدى معه أو أن يفطر معه أو كان هو مثلاً مع أبيه في البيت وهو يصوم وأبوه يحب أن يشاركه وهذا شيء مشاهد، الإنسان حينما يكون مع أصحابه مثلاً حتى ولو لم يكن والد وولد فيصوم وإخوانه يفطرون ففي هذه الحالة ربما يشق عليهم ذلك ولا يحصل ذلك الأنس فإذا شارك إخوانه كان أولى، ولهذا المسلم إذا دعاه أخوه فرأى المصلحة في فطره فليفطر لقول النبي عليه الصلاة والسلام "فَإِن كانَ مُفْطِراً، فَليَطعَمْ"[1] وكذلك أيضاً يجيب دعوته ولو كان صائماً ولو رأى أنه يشق على أخيه الصوم ويحب أن يفطر ففطره أولى وأفضل كما نص على ذلك أهل العلم، فهذا إذا كان في دعوة إنسان لا قرابة بينك وبينه فكيف إذا دعاك أبوك أو كنت عند أبيك أو عند والدتك وهم يأنسون بفطرك لا يأمرونك تعنتاً بذلك. فهذا تطيعه في ذلك، ولهذا فرق العلماء بين أمره بترك الصوم وأمره بترك الراتبة ، فقالوا : لا طاعة له في ترك الراتبة لأنه لا مصلحة لأبيه أو والده في ترك الراتبة، أما إذا أمره مثلاً بترك الصوم في الغالب أن فيه مصلحة للمؤانسة والمحادثة وتطيب نفس والده ووالدته بالمشاركة في الطعام وهذا أمر مشاهد ولذا لما سئل الحسن عن هذه المسألة قال - رحمه الله - : " يفطر وله أجر الصيام وأجر البر "[2] ، يعني لو أن إنسانًا أراد صوم الاثنين أو أيام البيض فدعاه والده لأن يفطر معه، فأفطر مع أنه كان يريد الصوم فأفطر، فيكتب له أجر الصوم ولله الحمد، ويكتب له أجر البر، وهذه قاعدة في المصالح التي لا يمكن الجمع بينها فإنه يقدم الأعلى[3] فإذا أمكن الجمع بين المصلحتين بلا ضرر كان هو المشروع .
كما لو كان يصوم وأبوه لا مصلحة له في فطره في هذه الحالة يجمع بين بر أبيه لكن لا يفطر لأنه لا مصلحة فيه، أما إذا كان على هذه الصورة لا يجمع بينهما؛ لأن أباه يتضرر أو القصد يشق عليه ذلك فيفطر، أما لو نهاه مثلاً عن صلاة الراتبة هذا فلا يطيعه في ذلك لأن لا مصلحة في هذا وفي الغالب أن الراتبة تابعة للصلاة وهي شيء يسير بخلاف صوم اليوم فلأنه كما تقدم في جميع اليوم ولأن المصلحة ظاهرة في فطره مع أبيه للمؤانسة أو مع والده . نعم. لكن أيضاً أشير قبل ذلك في مسألة النافلة الراتبة إلى مسألة، قلت إن الراتبة إذا أمره أن يتركها فإنه لا يتركها إلا فيما لو حصل أو حضرت حاجة لأبيه مثل أن يكون أبوه دعاه لحاجة أو عمل وكان مستعجلاً وأمره أن يحضر بعد الصلاة مباشرة ولا يصلي السنة الراتبة في هذه الحالة عليه أن يبادر إلى أبيه، إنه لم ينهاه عن ترك السُنَّة الراتبة إنما لأمر عارض ، وفرق بين الشيء العارض والشيء الراتب وهو بإمكانه بعد ذلك أن يصلي السُنَّة الراتبة بعد ذلك ولو قضاها ، نعم.