مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

هل يجوز ذكر حديث ضعيف في فضائل الأعمال كحديث سلمان رضي الله عنه أن السنة بفرض والفرض بسبعين في رمضان؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; الاحتجاج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فيه خلاف هل يجوز ذكره أو لا يجوز؟ جمهور العلماء يقولون لا بأس بالاستدلال بالحديث الضعيف بشروط ثلاثة، ومنهم من جعلها أربعة، لكن من جعلها أربعة يقول شرط أن يكون في فضائل الأعمال, فمن ذكره لأنه مستند لشروط جمهور العلماء, ومن لم يذكره لأنها شروطٌ للحديث الضعيف في فضائل الأعمال, فهي شروطٌ له, يعني الحديث الذي يروى في فضائل الأعمال يشترط له هذه الشروط: أولها: ألا يكون ضعفه شديدًا؛ بمعنى أن لا يكون في سنده كذاب, أو وضاع, أو متروك, فإذا كان ضعفه محتملًا لا بأس. الثاني: أن يدخل تحت الأصل العام؛ بمعنى أن يكون المعنى لهذا العمل الذي ورد في الحديث الضعيف ثابت بالأدلة, فلا نثبت شريعةً ولا سنةً بحديث ضعيف مستقلًا, فإذا كان هذا الذي ورد في الفضائل عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس, مثل أحاديث في فضل الصوم الصلاة الصدقة الجهاد فضل العلم, فلا بأس أيضًا بهذا الشرط الأول والثاني. الثالث: ألا يعتقد عند العمل به أن النبي قاله؛ المعنى أن العمل احتياط؛ و أنك ترجو هذا الثواب إن كان ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم, والله عز وجل يقول: (أنا عند حسن ظن عبدي بي) كما جاء في الحديث القدسي (1), وعند أحمد (من ظن بي خيرًا فله, ومن ظن بي شرًا فله) (2) فهذا نوعٌ من حسن الظن بالله عز وجل, تظن أن الله يعطيك هذا الأجر وعملت هذا العمل يعني تقول أن النبي عليه الصلاة والسلام ربما قاله؛ لأنه ما روي ولم يعلم كذبه فلا بأس أن يعمل به العبد ويرجو ثواب ذلك العمل, فمن رجى الله بذلك العمل فيرجى أن يعطى ذلك الثواب, وفي حديثٍ جيد رواه الإمام أحمد من حديث أبى حُمَيد وأبي أُسَيد أن النبي عليه السلام قال: (إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه قريب منكم فأنا أولاكم به, وإذا سمعتم الحديث تنكره قلوبكم وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه) (3). أو كما قال صلى الله عليه وسلم, وهو حديث على شرط مسلم، فهذا الحديث ربما يستدل به في هذا الباب, والمعنى أن الحديث الضعيف على هذا الوجه يروى بهذه الشروط, وأيضًا مما يدل على هذا الأصل فيما يظهر والله وأعلم, أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) (4)حديث عبد الله ابن عمرو عند البخاري، حديث أبي هريرة عند أبي داود, (5) وكذلك أيضًا في الحديث الآخر حديث عبدالله بن عمرو عند أبي داود بسندٍ جيد لكن من طريق قتادة وهو قد عنعن, أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حَتَّى يُصْبِحَ مَا يَقُومُ فِيهَا إِلا لِعِظَمِ صَلاةٍ, (6) هذه الأخبار جميعها تدل على أن الحديث عن بني إسرائيل في باب المواعظ والتذكير والقصص التي لا يعلم يعني صدقها لكن لا يعلم أنها مكذوبة يجوز أن تكون غير واقعة وهي لا تخالف شرعنا وغنمنا فيها عبرة وتذكير فيجوز روايتها وذكرها, مادام أنها رويت في الجملة وجنسها يقع ليست من الأمور التي تكون غرابتها شديدة حتى يستبعد وقوعها ونحو ذلك أو الأشياء المستحيلة هذه لا تروى؛  لأنها نوع من الكذب الصريح لكن ذكرت على هذا الوجه, فإذا كانت القصص التي تذكر وتروى عن بني إسرائيل فالذي يذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام من الأخبار التي لا نكارة فيها ولا غرابة فيها بهذه الشروط كما تقدم، وغاية الأمر أن يكون الراوي ضعيفًا والراوي الضعيف يصيب كثيرًا فذكرها عن النبي عليه الصلاة والسلام من باب أولى, بل أن أهل العلم لازالوا يذكرون القصص والغرائب التي تقع عن هذه الأمة لما فيها من العبرة ولا يجرون عليها حكم؛ لأن المقصود التذكير والعظة بهذا, ليس نبني حكمًا عليها, إنما حكم مؤصل مثل التذكير والعظة بالقصص في أمور ثابتة بالنصوص الشرعية في الترغيب في الجنة والترهيب من النار, وكذلك الحذر من عذاب القبر ونحو ذلك, والقصص التي تقع من هذا الجنس تذكر في هذا الباب, ترغب وترهب, وهذه القصص واردة في أمور دلت عليها النصوص, فالنبي عليه الصلاة والسلام يذكر ويعظ بهذا ويخبر ويحدثهم عن بني إسرائيل قال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) في أمورٍ ثبتت النصوص بها؛ فالمعنى أنها لا تؤصل شريعةً ولا سنةً وإنما هي مبنية على أصول ولا يعلم كذبها, فما يحدث بها عن النبي من باب أولى, فإذا كان يحدث عن غيره عليه الصلاة والسلام ويذكر أصحابه بذلك ويوصي به ويقول حدثوا بذلك فما يحدث عنه ويذكر عنه بهذه الشروط من باب أولى أن تكون العبرة فيه أعظم وأتم, ثم أيضًا الحديث الضعيف إذا روي من طريقٍ آخر من باب الحسن لغيره ويحتج به عند أهل العلم وهذا دليل لجواز العمل به, وذلك أنه لا يحسن أن يقال في الخبر الذي إذا اعتضد بغيره وقد يكون في باب الحسن لغيره أننا نهدره إهدارًا مطلقًا, فإهداره لا يناسب مع الاحتجاج به بالانضمام لغيره هذا يبين أنه مقبول من حيث الجملة؛ ولذا لو جاء له شاهد من طريقٍ آخر ضعيف فيقويه قُوِيَ, وسار محل حجة؛ لأنه من باب الحسن لغيره, وهناك أدلة أخرى في هذا الباب وأهل العلم بسطوا هذا ولله الحمد وقول جمهور أهل العلم, ولعل بعضهم حكى إجماع كما تقدم من رواية الحديث الضعيف بهذه الشروط بينها أهل العلم وبسطوها وقد ذكر العراقي رحمه الله الخلاف في هذا وأنهم سهلوا في ذلك وقال: سهلوا في غير موضوعٍ                      رووا من غير تبينٍ لضعفٍ ورأوا بيانه في الحكم والعقائد              عن ابن مهدي وغير واحدٍ  يعني يقول سهل أهل العلم في غير موضوع ورووه من غير تبيين لضعفهِ ورأوا بيانه إنما الواجب بيان الضعيف في الأحكام والعقائد عن ابن مهدي وغير واحد من أهل العلم.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه البخاري (7405) ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) أخرجه أحمدُ (3/ 491)، والطبراني في "الكبير" (ج 22/رقم 211)، وابنُ حبان (716). (3) أخرجه أحمد 3/ 497، والبزار كما في «كشف الأستار» 1/ 105 (187)، وقال الهيثمي في «المجمع» 1/ 150: ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في «الصحيحة» (732). (4) أخرجه البخاري 6 / 361 في الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، (5) أخرجه أبو داود رقم (3662) والحميدي (1165) قال: حدثنا سفيان. وأحمد (2/474). (6) أخرجه أبو داود"( 3663 ) وأحمد (20166). و"ابن خزيمة" (1342).


التعليقات