يقول :نرجو التفصيل في مسألة الصلاة على الكراسي؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
بعض الناس يصلي على الكرسي وهو غير محتاجٍ له وربما صلى على الكرسي وفوَّت أمرًا واجبًا عليه، لكن إن احتاج إلى الصلاة قاعدًا فالصحيح أنه لا بأس ولا يلزمه الجلوس على الأرض، فلا يقال إن من كان يمكنه الجلوس على الأرض فيجب أن يجلس على الأرض؛ لأن الجالس على الكرسي قاعد وهو في الحقيقة قد يكون أقرب إلى هيئة المصلي من الجالس على الأرض لأنه أقرب إلى حال القيام من القاعد على الأرض، إذ في الغالب أن ساقيه قائمتان وصلبه قائم فهو أقرب إلى حال القائم فكان أولى، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء في أحاديث كثيرة الأمر بالصلاة قاعد، في حديث عمران قال: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدًا»(1). وهذا مطلق في الأخبار عنه عليه الصلاة والسلام، والكراسي موجودة في عهده عليه الصلاة والسلام والجلوس عليها معهود، والنبي عليه الصلاة والسلام جلس على المنبر وجلس على الكرسي، فالإطلاق في هذه الأخبار يدخل فيه الصلاة على الكرسي ولم يستثني ولم يقل فلا يصلي قاعدًا على الأرض بل أطلق فنجري الأحاديث على إطلاقها ولا نقيدها، وكونه عليه الصلاة والسلام قال "صل قاعدًا" هذا لا يدل على أن الصلاة يعني في مرض موته أنها واجب لأن هذه الإطلاقات لا يقيدها كما تقدم هذا الفعل وخاصة أن الذي يقول يصلي قاعدًا يقول إنه لو لم يكن تحته كرسي لسقط مثلًا؛ لأنه لا يستطيع إلا أن يجلس على كرسي أو يجلس على الأرض، فنقول حتى القيام ربما يصلي الإنسان قائم ومتمسك بشيء ومع ذلك يجوز على الصحيح، وثبت في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى حبلًا ممدودًا قال: «لمن؟». قالوا: "لزينب"، تُصلِّي٬ فإذا كسلت أَو فَتَرْت٬ أَمَسَكْت بِه٬ فقال: ُحلُّوهُ٬ لِيُصِّل أَحُدُكْم نَشاطَهُ٬ فَإِذا كِسَل أَو فَتَر قعد" (2) ولم يقل عليه الصلاة والسلام إنه لا يصح فإذا كان هذا في حال القيام، وفي صلاة الليل ونحوها من الصلاة التي لا تكون واجبة، فالمقصود أنه عليه الصلاة والسلام إنما أنكر التشديد ولم ينكر التعلق ولذا لو كان إنسان لا يستطيع القيام ويمكن أن يعتمد على عصا جاز، وقد ورد في حديث عند أبي داود الاعتماد على العصا(3) لكن سنده ضعف وجاء يؤيده أن الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام (4)، فيدل من حيث الجملة إذا كان هذا في حال الصحيح وإنما قام واعتمد عليها لطول القيام ولم يؤمر بالجلوس فالمريض الذي يحتاج إلى الكرسي من باب أولى، وكذلك في إطلاقات الأدلة أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالصلاة قاعدًا ولم يخص ولم يأتِ تقييدٌ لها، والأدلة إذا أمكن الجمع بينها والعمل بها جميعها كان هو الواجب، لكن ينبغي أن يلاحظ إنه إذا قيل يصلي على كرسي فإنه في حال السجود يجب عليه أن يسجد على الأرض إذا كان يمكنه السجود على الأرض ولا يتضرر، أما إذا كان لا يستطيع السجود على الأرض أو يستطيع بمشقة وضرر في هذه الحال لا بأس أن يسجد إيماءً على الكرسي، ثم يلاحظ أن الكراسي لا ينبغي أن تضايق بها المصلون لا في الصف الذي هو فيه ولا في الصفوف التي خلفه، فإما أن يوضع كراسي لمن يحتاج إليها أو تكون في طرف الصف، ثم أن يلاحظ أيضًا أن قوائم الكرسي الخلفية إذا كان الإنسان يصلي يجلس على الكرسي في كل أحواله، في حال القيام مثلًا يكون على الكرسي ثم ربما إذا جاء الركوع قام وركع في هذه الحال تكون مؤخرة الكرسي مساوية للصف، أما إذا كان يقوم في حال القيام لكن يجلس حال السجود وحال الركوع ، إنما يشق عليه الركوع والسجود ولا يستطيع السجود في الأرض فيجلس على الكرسي، فهل يكون الكرسي أيضًا على وزان الصف أو يرده إلى خلف حتى يساوي الصف في حال القيام لا ضرر في هذه الحالة أن يكون كرسيه إلى الخلف حتى يستوي مع الصف ولا يتقدم إلا إذا ترتب عليه مضايقة للصف الذي خلفه فلو رد الكرسي إلى الصف الذي خلفه ضايق المصلين، في هذه الحالة لا بأس أن يقوم في الصف ولو كان متقدمًا لدفع الضرر عن إخوانه كما لو ضاق المسجد بالناس، وغاية الأمر أن يكون منفردًا في بعض أحوال الصلاة، والإنسان لو لم يجد مكان في الصف جاز أن يصلي منفردًا فإذا حصل ضرر لإخوانه من باب أولى أنه يجوز أن يتقدم دفعًا للضرر عن إخوانه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم (1117).
(2) أخرجه البخاري في التهجد (1150) ومسلم في صلاة المسافرين (1/539).
(3) عن الحكم بن حزن الكلفي قال:" وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا أيامناً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله فقام متوكئاَ على عصا أو قوس فحمد الله، وأثنى عليه كلمات طيبات خفيفات ٍ مباركات ٍ".أخرجه، أبوداود رقم (1107) وأورده الألباني في صحيح سنن أبي داود (1107).
(4) أخرج الإمام مالك في الموطأ ( 1/137 ) ( ورقم 248 ) عن محمد بن يوسف عن السائب أنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشر ركعة قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر " . سنده صحيح.