• تاريخ النشر : 31/05/2016
  • 635
مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

ما هو دليل جواز إقامة جماعة أخري، في المسجد إذا لم تدرك الجماعة الأولي، وهل هناك نصاً في ذلك ؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; جمهور العلماء يكرهون ذلك، ومنهم من يمنع ويقول: الجماعة الراتبة إذا أقيمت ثم جاءت جماعة بعد ذلك فإنهم يصلون فرادى ، أو يصلون في بيوتهم جماعة، والقول الثاني قول أحمد رحمة الله أنه لا بأس أن يصلوا جماعة في المسجد الراتب، أما إذا كان المسجد ليس من المساجد التي يصلوا فيه جماعة الراتب ، فلا بأس بذلك، كما لو كان المسجد من مساجد الطرقات ،والمحطات، أو نحو ذلك، إنما الكلام في المساجد الراتبة، والصواب، أنه لا بأس بذلك، لعموم الأدلة في الأمر بإقامة الجماعة، فمن لم يتيسر له إقامة الجماعة بالعذر، فلا بأس أن يقيم الجماعة، ورد في هذا أخبار، أما ما ورد فيما يدل على النهي، فلم يثبت شيئاً من ذلك، إما لم يثبت من جهة السند، أو لم يثبت من جهة المعني والدليل، ما يرويه الترمذي، بإسناد جيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه  (أن رجلاً جاء بعد ما فرغ  النبي من صلاته فقال:  عليه الصلاة والسلام:" مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ) (1) وهذا صحيح في أنه لا بأس بصلاة الجماعة بعد الجماعة الراتبة، لكن لم يوافق بعضهم على هذا بأن قالوا لا دليل فيه، لأن الذي صلي معه صلاته منتهية، والذي يصلي صلاته فرد، فلا بأس أن تقام الجماعة في أن يكون أحدهم متنفل والأخر فرد، وهذا في الحقيقة من التكلف في رد الأخبار،  مثل هذا التفصيل العظيم ، في مثل هذا الموقف، الذي لا يعلم إلا بإخبار من النبي عليه الصلاة والسلام، لأن المسألة المهمة الدقيقة يقال فيها هذا التفصيل، وكأنه منعقداً في نفس الصحابة، هذا أمر بعيد، وأن هذا العمل المشروع، لايكون إلا إذا كان أحدهما متنفلاً، والنبي قال: "أيما رجل يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا" ، فيتكل على هذا ، فهل يقال لو جاء رجل لم يصلي، يقال لا يدخل في هذا الخطاب؟ هذا بعيد ، بل هو أولي في الحقيقة، ولو كان هذا خاص بمن يكون متنفلاً، لبين النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحكم، لأنه من تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز، في مثل هذا المقام، ويقال: إن النبي صلي الله عليه وسلم قصد إلى هذا، مثل ما قال بعضهم في تحديد مدة السفر، بأربعة أيام، قالوا: إنه عليه الصلاة والسلام إن كان قدم مكة يوم السبت لأتم الصلاة، يعني لصلي أربعاً ، لكنه قدم يوم الأحد ومكث أربعة أيام فقصر، فهذا حديث واضح - يعني حديث أبي سعيد المتقدم -، في أنه لا بأس بإقامة الجماعة في مسجد قد أقيمت فيه الجماعة، لهذا حديث الواضح البين، والنبي عليه الصلاة والسلام، علمه ربه سبحانه وتعالي، وخاصة في حالة بعض الناس في صلاة الجماعة، وأن هذا حكم نحتاج إليه، وقد جاء عن أنس رض الله عنه،(2) وهو عند البخاري معلقاً، ووصله بعضهم ، أنه جاء إلى مسجد قد صلي فيه، فأذن وأقام وصلي، هذا دليل واضح، أن هدي الصحابة كان كذلك، وتأول بعضهم بأن قال لعل هذا المسجد من مساجد الجماعة، وهذا أيضاً من التكلف، أما من جاء عن الحسن عند ابن أبي شيبة، أنه كان الصحابة إذا دخلوا، مسجداً وقد صلوا جماعة، صلوا فرادي، وهذا في ثبوته نظر عنه،(3)  ثم ورد عنه بسند أصح" أنه كان لا يرى بأساً أن تصلّي الجماعة بعد الجماعة في المسجد"،(4) قال ابن أبي شيبة: هذا السند أصح عنه، فلعله قال هذا إشارة إلى أن هذا هو الثابت عنده، وجاء عن ابن مسعود أيضا، أنه جاء إلى المسجد وعلقمة والأسود فاستقبلهم الناس وقد صلوا فرجع بهما إلى البيت ، فهذا ثابت عن ابن مسعود، لكن لا دليل فيه، لأن كونه يرجع للبيت لا يدل على أنه لا يشرع الصلاة في المسجد جماعة ثانية،(5)، لكن ثبت عن ابن مسعود أنه دخل المسجد وقد صلّوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود.(6) وهذا لا بأس به، لو أن إنسان كان معه جماعة، ثم وجد الناس قد صلوا، فلا بأس به إن شاء صلي في المسجد، أو صلي في بيته، وربما يقال في هذه الصورة، من فاتته صلاة الجماعة، فليصل في بيته، يعني يكون أولي، لأنه لا يكون معه جماعة، ولهذا لو وجد جماعة آخرون، فإقامتها في المسجد أولي، لكثرة الجماعة، وهذا أحب إلى الله عز وجل، وأما رواه الطبراني، أنه عليه الصلاة والسلام خرج، وبعض الناس قد صلوا فرجع فصلي في بيته،(7) هذا الحديث لا يصح ولا يثبت وهو ضعيف، ولا يعلم أن من الصحابة كانوا يصلون، وأن عليه الصلاة والسلام كان يتأخر عنهم في بعض الأحيان، وإن كان هذا من جهة يتصورن لا نكرة فيه، لكن الخبر ضعيف كما تقدم، ولهذا الأمر لا بأس بإقامة الجماعة الثانية، ولا يوجد في المسألة دليل على النهي عن ذلك كما تقدم.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه أبو داود رقم ( 574 ) والترمذي ( 1 / 427 - 428 ) وقال الترمذي : حديث حسن،  وأحمد في المسند ( 3 / 64 ) وابن أبي شيبة ( 2 / 63 ) والدارمي ( 1 / 318 )  والحاكم ( 1 / 209 ) وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ، وابن حبان في صحيحه ( 2399 ) .عن سليمان الناجي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بأصحابه فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم.. به (2) أخرجه البخاري – الفتح -  ( 2 / 231 ) معلقاً "أن أنساً جاء إلى مسجد قد صُلي فيه فأذّن وأقام وصلّى جماعة". قال الحافظ في الفتح ( 2 / 231): وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال: مرّ بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة، فذكر نحوه، قال: وذلك في صلاة الصبح، وفيه: "فأمر رجلاً فأذن وأقام ثم صلّى بأصحابه" وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف من طرق عن الجعد وكذلك عبد الرزاق في المصنف ووصله البيهقي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه. انظر تمام المنة الألباني. أخرجه ابن أبي شيبة ( 2 / 220،221 ) وعبد الرزاق ( 2 / 291،292 ). (3) وعن الحسن البصري قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة صلّوا في المسجد فرادى. أخرجه ابن أبي شيبة ( 2 / 222 ). قال الشيخ الألباني رحمه الله في الأحاديث الضعيفة (4/375): وهذا اسناد ضعيف فيه أبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي قال الحافظ: صدوق فيه لين. (4) أخرج ابن أبي شيبة ( 2 / 221 ). عن أشعث عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن تصلّي الجماعة بعد الجماعة في مسجد الكلاّءِ بالبصرة.وروى ابن أبي شيبة ( 2 / 221 ). وعن عطاء أنه صلّى هو وسالم بن عطية في المسجد الحرام في جماعة بعد ما صلّى أهله. (5) أخرج عبد الرزاق في " المصنف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " ( 2 / 409 / 3883 ) وعنه الطبراني في المعجم الكبير ( 9380 ) بسند حسن عن إبراهيم " أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس وقد صلوا فرجع بهما إلى البيت ثم صلى بهما " . (6) وأخرج ابن أبي شيبة ( 2 / 221 ) عن سلمة بن كهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلّوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. (7) أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 4739) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم".  قال الهيثمي في المجمع ( 2 / 45): رواه الطبراني في الكبير و الأوسط ورجاله ثقات ".


التعليقات