مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

حديث ((إن الله وترٌ يحب الوتر)) هو في كل شؤون الحياة أم أنه خاص بالوتر في قيام الليل؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; الحديث محتمل((إن الله وترٌ يحب الوتر))، من أهل العلم من قال يحب الوتر وهو وتر الصلاة لما في حديث علي(1) وابن مسعود(2) أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال:((إن الوتر ليس بحتمٍ كهيئةٍ المكتوبة، فأوتروا يا أهل القرآن فإن الله وترٌ يحب الوتر))، فقالوا إن اللام هنا ليست للجنس للمعهود، وهو المذكور في الحديث لقوله((إن الله وترٌ يحب الوتر)) أي الوتر الذي يكون بعض صلاة العشاء، يعني الوتر الذي هو صلاة الوتر على هذا. وقيل إن الوتر هو جنس الوتر، كل ما كان وتراً، ورشحوا هذا أنه في أخبار كثيرة ذكر الوتر وأحكام كثيرة جاءت على الوتر، الطواف سبعٌ، السعي سبعٌ، رمي الجمرات سبع، وكذلك جاء الوتر في ذكر الثلاث في أعداد كثيرة، أو في أحكام جاء فيها ذكر الثلاث، "لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال"(3)، إلى غير ذلك مما جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- وكذلك أيضاً جاء الوتر في الخمس والسبع وما كان أكثر ذلك ما كان وتر، كما كان ذلك في حديث أم عطية" اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك"(4) وقالوا إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا أكل يوم العيد أو أكل وتراً -عليه الصلاة والسلام- كان يأكلهن وتراً  كما في رواية البخاري المعلقة(5) وعند ابن حبان وغيره أنه" يأكلهن ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً:" (6)وفي رواية أو إحدى عشرة، وعلى قولين في هذا وهذا وعلى هذا إذا كان يحب الوتر فالوتر المشروع هو ما جاء في سنته -عليه الصلاة والسلام- أننا نصنع كما صنع، أما أننا نقول إن الوتر مشروع في كل شيء فإن هذا موضع نظر ولا دليل عليه، إنما  يحب الوتر والنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يفعل ذلك، وهو الذي بين لنا هذا الوتر، فما أوتر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عمل فيه بالوتر فإننا نعمل فيه بالوتر، فلما أنه أكل التمرات وتراً نأكل وتراً، وكذلك لما أنه أمر بالغسل خمس وسبعاً كذلك يوتر يكون الوتر في غسل اليد. كذلك أيضاً في الاستجمار من استجمر فليوتر(7)، وأقل وتر الاستجمار ثلاث وهذا إذا كان الاستجمار بالتراب أو الحصى أو المناديل، فمثلاً إذالم ينقي المحل ثلاث فزاد رابعة فالرابعة إذا نقى الموضع ويسن أن تزيد خامسة حتى تقطع على وتر، وهكذا، والأظهر والله أعلم أن قوله ((إن الله يحب الوتر)) أن بيانه من سنته -عليه الصلاة والسلام-، فما كان من سنته قولاً أو فعلاً وتر فهو مشروع، أما أن نقول أوتر في طعامك في أكل التمرات في أي وقت أو في شرب الماء في أي وقت أو في أكل اللقم، لأنه على هذا إذا قلنا يحب الوتر يلزم أن يكون الوتر في كل شيء حتى حينما يأكل طعامه تكون تجتهد في أن تقطع على وتر، وإذ شرب جاء الشرب، الشرب صحيح ورد، ولهذا هذا قد يكون دليلاً في المسألة فالشرب أمر يمكن أن يكون وتر، لكن الأكل في الغالب قد لا يتيسر، ويكون الإنسان في موضع حساب يحسب ويعد أن يأكل وتراً، لكن لما كان الشرب في الغالب وقته يسير، وهو حدٌ مقدور في كأس، فكان النبي يشرب ثلاث مرات(8)، فهذا يشرع فيه، فنقول يشرع الوتر في الشرب لكن في الأكل ما ورد هذا. فلما ورد في الشرب ولم يرد في الأكل دلَّ على التفريق بينهما، ويمكن أن لو تكلف متكلف قال لأن الأكل قد يشق عليه من تتابع اللقم مثلاً فإذا أراد الإنسان أن يعد ذلك وأن يبقى على وتر، هذا محتمل لكنه موضع نظر، وما دام أنه لم يتلقى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي كثير مناسبات وأكل مع أصحابه ولم يقل لأحد إذا أكل أوتروا أو إذا أكلتم أو نحو ذلك إنما جاء الوتر كما تقدم في مواقف، مثل الثلاثة ركب (9) وتر، الثلاثة ركب فهو وتر فشرع الإيتار في مثل هذا وإن كان أيضاً جاء في الحديث أن خير أصحابي أربعة(10) أيضاً.فالمقصود أنه فيما يظهر والله أعلم أنه اقتصر على ما وردت به السنّة عنه -عليه الصلاة والسلام- في المواضع التي ورد فيها الوتر، أما تكلف ذلك فلم يُنقل مع كثرة وقوع ذلك منه -عليه الصلاة والسلام في طعامه وشرابه وربما عند التأمل يتبين مواضع كثيرة يظهر منها أن الأظهر هو الوتر حيث أوتر -عليه الصلاة والسلام- مما نقل عنه قولاً أو فعلاً والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)أخرجه الترمذي (453) وابن ماجه (1169) ، والنسائي 3/228،، والبزار (685)  وابن خزيمة (1067) ، والحاكم 1/300 (2)أخرجه أبو داود (1417) وابن ماجه (1170). (3)أخرجه البخاري (6076) ومسلم (2560). (4) أخرجه البخاري (1253) ومسلم (939). (5) أخرجه البخاري عند الحديث (953). (6) أخرجه ابن حبان (2814). (7) أخرجه أبو داود (35) وابن ماجة (337). وهو في "مسند أحمد" (8838)، و"صحيح ابن حبان" (1410). (8) أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا ، وَيَقُولُ : إِنَّهُ أَرْوَى ، وَأَبْرَأُ ، وَأَمْرَأُ ( أخرجه مسلم (2028). (9)عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ ) أخرجه الترمذي (1674) وقال حديث حسن . وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (6/53) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (62(. (10) عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَاخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً : أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا فَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أَصْحَابِي ، وَفِي أَصْحَابِي كُلُّهُمْ خَيْرٌ ، وَاخْتَارَ أُمَّتِي عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ " . البزار- كشف الأستار (2603) تاريخ بغداد(4/273) ، موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب (2/311).


التعليقات