بالنسبة لصلاة الفجر المقيمين في مصر هل لابد من انتظار فترة قبل صلاة الفجر؛ لأنه يؤذن قبل موعده، وإذا كان هذا صحيحاً فهل معنى هذا أن الصلاة منفرداً بعد الصلاة بفترة أفضل من صلاة جماعة مباشرة بعد الأذان؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذه المسألة جرى الكلام فيها كثيراً، وكثيرٌ من أهل العلم وخاصة في هذه البلاد، وكذلك منذ سنوات في عهد شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- التي تقرر عنده وعند كثير من أهل العلم في هذه البلاد أن هذه التقاويم تقاويم صحيحة، وكذلك الحكم يُنظر في التقاويم الأخرى التي تكون معتمدةً، وحاصل ما يقال في هذا أن ما يكون من التقاويم التي يخبر بها أناسٌ ثقات معروفون بضبط هذه الأوقات، ومعروفون بمعرفته آنفاً، وثم طبعت هذه التقاويم وانتشرت عند الناس فأهل العلم يقولون إذا أخبر مخبرٌ بأن الشمس قد غربت وهذا ثقة فإنه يفطر، وإذا أذن فإن يصلي، فإذا كان هذا في خبر مخبرٍ وأنت لا يلزمك بعد ذلك أن تتبع خبره، وأن تقوم وترى الشمس، هل غربت لتفطر وتصوم مثلاً، لتفطر وتصلي وهكذا في سائر الأخبار الدينية، ولا يشرع لك أن تسأل بل عليك أن تأخذ بخبره ما دام خبراً عن أمر ديني والمخبر ثقة. فما كان المخبرون به كثيرين وكان أيضاً عن جهاتٍ مسئولة، و عن متابعة لهذا الشيء واعتمدت، فكذلك يُعمل بخبرها ويؤخذ به، وإذا وقع شيءٌ من ذلك وحصل شكٌ في هذا فنبقى على الأصل لأنه حينما يتعارض الأصل والظاهر فهنالك أمور ومسائل، فيُنظر في الشيء الذي يغلب ويكون هو الصواب على تفصيل مذكور في هذه القاعدة كابن رجب وغيره، فهذا هو الأصل الذي يُجرى عليه، وخاصةً أنه فيه خلاف، وكثيرٌ من أهل العلم مِن مَن تتبع مطلع الفجر طلوع الفجر، وكذلك غروب الشمس، فرآه إما موافقاً بعضهم أو بعضهم يقول قريب جداً من هذا التوقيت. فلهذا يبقى على هذا الشيء، ولا يحسن التشويش على الناس في هذه العبادة التي يترتب عليها أن تحصل شيءٌ من الوساوس للناس، وخاصة من يصلي في البيت حتى إنه آل الأمر بكثيرٍ من الناس إلى أن يصلي مرتين، وهذه الأمور في الحقيقة يجب سدها، ويجب سد الطرق إليها، ولا يجوز فتحها بما يترتب عليه المفاسد، ثم إن لهذه المسألة مخارج عند أهل العلم، ما دام أن الأمر من الأمور المحتملة، وما دام أن الأمر يقال تدرس وتنظر، ولم يقع إجماع على هذا الشيء، وخرج بعض الناس ورأوا الفجر فرأوه مطابقاً، ومنهم من قال إنه فيه فرق دقائق يسيرة، ومن قال أكثر، ما دام أنه حصل اقتراب من ثلاث دقائق أو أقل إلى عشرين دقيقة وخمس وعشرين دقيقة، هذا يدل على اضطراب في هذا التشكيك، إذ لو كان هذا التشكيك صحيحاً وعلمياً لاتفق عليه على قولٍ واحد.
وما دام أنه حصل اختلاف، فمنهم من يقول هناك فرق ثلاث دقائق، وبعضهم يقول لا فرق في ذلك إنما غاية الأمر أنه ربما خفي الفجر على من اطلع وغيره رآه، لأن رؤية الفجر كرؤية القمر في رمضان، فبعضهم ربما يقول لم أره، وبعضهم يقول رآه، نعتمد على من رآه، فإذا أثبته قومٌ وقالوا أن الفجر طلع، وقال آخر ما طلع، ومن قال أنه طلع من أهل الخبرة، فنأخذ بقول المثبت خاصة أن من يقول خلاف ذلك وأنه فيه تقديمٌ للوقت سواءٌ مثلاً في هذه البلاد أو في مصر، وكانت تلك الحسابات معتمدة على أهل الثقة والأمانة وأهل الاختصاص، والذين خالفوا اختلفوا في هذا مما يدل على أن هذا التشكيك موضع نظر ويبقى على هذا الأصل، ولما فيه من المفاسد المترتبة على الاختلاف والنزاع حتى آل الأمر ببعض الناس إلى أنهم يتركوا الجماعة أو يقيموا الجماعة مرةً ثم مرتين، مرةً هنا، وهذا فيه ما فيه. والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بشهود صلاة الجماعة وعدم التفرق، ولهذا لو تقدم إنسانٌ مبتدع ولم يمكن عزله عن الإمامة فإنا لا نترك الجماعة لا نتركها، مع أن هذا عند كثير من أهل العلم لا تصح الصلاة خلفه، ونصوا على صحة الصلاة خلفه لأن ترك الصلاة فيه تعطيلٌ للجماعة، ومثل هذا مفسدة يجب تلافيها. قال عثمان –رضي الله عنه- لما قيل له إنك محصور، ويصلي لنا إمام فتنة، قال الصلاة خير ما عمل الناس، فإذا صلى الناس فصل معهم ولو كان الذي يصلي إمام فتنة، ممن حاصروا عثمان حتى آل بهم الأمر والعياذ بالله إلى أن قتلوه شهيداً حميداً، وكان يأمرهم بالصلاة خلف هؤلاء القوم المعتدين الظالمين لأن ترك الصلاة خلفهم يزيد الأمر سوءاً، ويفتح أبواباً من الشرور كثيرة، والأدلة في السنّة في هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة في الأمر بالصلاة خلفهم، ((يصلون لكم فإن أصابوا فلكم))،(1) عند أحمد ((ولهم)) (2) ، وإن أخطئوا فلكم عليهم، كذلك الصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وهذا في أخبار عن ابن مسعود وغيره(3). ثم لو فرضنا جدلاً أن الصلاة صليت قبل الوقت فإن هناك قولاً جيداً لبعض أهل العلم يقول لو صلى الصلاة قبل وقتها مثلاً اليوم، فإنه حينما يصلي الفجر غداً وصلاتك الفجر غداً قبل الوقت أيضاً فإنها بمثابة القضاء للتي قبلها، لأنه في قولٍ معتمدٍ عند الشافعية يجوز للقضاء مكان الأداء، والأداء مكان القضاء، وعلى قولهم لو فرض أن صلاة الفجر صليت قبل وقتها، فإنه لا يلزم المصلي أن يعيد إلا صلاةً واحدة، فلو صلى عشرين سنة أو ثلاثين سنة صلاة الفجر قبل وقتها ثم علم ذلك، فإنه على ذلك القول لا يلزمه لو قيل إنه يعيد لا يلزم أن يعيد إلا صلاةً واحدة لأنه حينما صلى أول صلاة صلاها قبل الوقت فإنه في الغد إذا صلى صلاة الفجر تكون قضاءً لصلاته بالأمس، ثم صلاته بالأمس اليوم الذي بعده قضاءٌ، وهكذا صلاته التي بعدها قضاءٌ للصلاة التي قبلها. هذا لو فرض أن صلاته قبل الفجر، ونعلم أنه لو فرض أن هذا القول ضعيف، فإن القول الضعيف يكون قوياً حين يكون في الأخذ بالقول الصحيح مشقة، وأهل العلم يتكلمون في مسائل يقولون احتجنا للكلام فيها وإن لم يتكلم فيها من سبقنا للحاجة والضرورة إليها كما تكلم شيخ الإسلام -رحمه الله- في مسألة طواف الحائض طواف الإفاضة على التفصيل المذكور في هذه المسألة. المقصود أنه كما تقدم لا يحصل ترك الصلاة مع جماعة المسلمين ووقوع النزاع والخلاف في هذه المسائل التي تفضي إلى النزاع والفتنة والشر، وهذا أمرٌ مشاهد كما تقدم، وجاءت أدلة من السنة تبين أنه لو خاص في الفطر، والفطر أمره أيسر، يعني لو كان الفطر مثلاً قبل غروب الشمس أو بعد غروب الشمس بزمن على خلاف في هذا التوقيت، هل التوقيت مثلاً قبل الغروب أو بعد الغروب، فغاية الأمر أن يكون خاصاً في تأخر الأذان، إذا كانت الشمس قد غربت أن يكون الذي أفطر على التوقيت أخر الفطر بناءً على اعتقاده أن الشمس لم تغرب. وهذا هو الواجب عليه، فلو قال إنسان أنا أفطر قبل التوقيت فيجاهر بالفطر، مثلاً قبل الأذان بعشر دقائق ويزعم أنه يتبع السنّة هذا لا يمكن كيف يقال هذا؟! وهذا يسبب فتنة وشر وفساد عظيم، ويزعم أنه يعجل بالفطر بأنه هو السنّة والناس خلف ذلك ويقول الشمس لم تغرب ولست أنت على شك ولا على يقين غاية الأمر أنه حصل عندك لبسٌ فعملت بقولٍ لا تدري، وأنت على قولٍ آخر هو في الأصل هو المعمول به، ولو لم يكن إلا ما يحصل من الشر في هذا لكان الواجب عليك أن تنتظر. ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((الصوم يوم يصوم الناس)) (4)، هذا دليلٌ آخر يعني لو أن إنسان أخبر أنه رأى الهلال واعتمد القاضي والحاكم رؤيته، وانتشر عند الناس وأعلم أن غداً مثلاً من رمضان ، وفي نفس الأمر تبين بعد ذلك أنه لم يرى الهلال وأنه أخطأ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:((الصوم يوم يصوم الناس))، وعلى هذا لا يُنظر ولا يؤخذ بالهلال الذي في السماء، إنما الهلال ما يستهله الناس ويشتهر الصوم يوم صوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس. وعلى هذا لو اعتمدت رؤيته مثلاً هلال شهر ذي حجة ثم استمر الناس عليه، وتبين أن الوقوف في اليوم التاسع، ووقفنا في اليوم العاشر في نفس الأمر، لكن الظاهر أن عرفة في هذا اليوم وهو في الباطن في اليوم التاسع، يعني تجاوزنا التاسع ووقفنا في العاشر، فعرفة في اليوم الذي وقفنا فيه وإن كان في باطن الأمر هو اليوم التاسع، لأنه الهلال ما يستهله الناس.وهذه محل اتفاق، وأنا قلت إذا كان يوم العاشر لأنه إذا كان الخطأ في اليوم بمعنى أنه كان عرفة في اليوم الثامن اشتهر أنه في هذا اليوم الذي هو في نفس الأمر هو اليوم الثامن ووقف الناس في اليوم الثامن، هنالك قول لبعض أهل العلم وهو ضعيف أنه يجب أن يقف الناس يوم عرفة لأن عرفة في اليوم التاسع، بخلاف إذا لم يقفوا في اليوم التاسع ووقفوا في اليوم العاشر، فات لم يقفوا، لكن لو وقفوا في اليوم الثامن هل يعيدون الوقوف قول ضعيف أنه يعيدون،والصواب قول الجماهير أن وقوفهم صحيح ويوم عرفة يوم وقوف الناس في عرفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (694).
(2) أخرجه أحمد (8663).
(3) أخرج مسلم في صحيحه (648) عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ؟ - أو - يميتون الصلاة عن وقتها?
قال: قلت : فما تأمرني؟ قال : ( صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها معهم ، فصل ، فإنها لك نافلة).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – " وأما الأمراء الذين كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتالهم , فإن قيل: إنهم كانوا يؤخرون الصلاة إلى آخر الوقت فلا كلام , وإن قيل - وهو الصحيح - إنهم كانوا يفوتونها فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بالصلاة في الوقت ، وقال: اجعلوا صلاتكم معهم نافلة ونهى عن قتالهم كما نهى عن قتال الأئمة إذ استأثروا وظلموا الناس حقوقهم واعتدوا عليهم" . انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/61(؟ وفي "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/308): " ظاهر الحديث إخراج الصلاة وتأخيرها عن جميع وقتها، وعليه حمله النسائي. وقد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، فينبغي أن يحمل هذا الحديث على الواقع ، قال الحافظ في " فتح الباري " (2/14) : " قد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة " انتهى . وجاء في "فتح الباري" لابن رجب (4 / 183) : " وقد كان الصحابة يأمرون بذلك ويفعلونه عند ظهور تأخير بني أمية للصلاة عن أوقاتها ، وكذلك أعيان التابعين ومن بعدهم من أئمة العلماء ..... وقد روى الشافعي بإسناده عن ابن عمر أنه أنكر على الحجاج إسفاره بالفجر، وصلى معه يومئذ. وقد قال النخعي: كان ابن مسعود يصلي مع الأمراء في زمن عثمان وهم يؤخرون بعض التأخير، ويرى أنهم يتحملون ذلك . وإنما كان يفعل ذلك في أيام إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة في زمن عثمان ، فإنه كان أحيانا يؤخر الصلاة عن أول وقتها " انتهى
(4)أخرجه أبو داود (2324). والترمذي (697). وابن ماجة (1660). قال الألباني: صحيح.