ما صحة حديث الملكان اللذان ينزلان الصباح، ومن نام بعد صلاة الصبح يقال: خذ رزقك لا بارك الله لك فيه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
أما الشق الأول من السؤال، وهو حديث الملكين، فهذا ثابت في صحيح البخاري عن أبي هريرة، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما من يومٍ يصبح فيه العباد، إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم أعطي منفقًا خلفًا، ويقول آخر: اللهم أعطي ممسكًا تلفًا»(1).
وجاء أيضًا تفسيره في حديث أبي الدرداء عند أحمد، أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما من يومٍ تطلع فيه الشمس إلا نزل بجنبتيها ملكان يقولان: هلموا يا عباد الله ما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى، ولا آبت شمسٌ، أو قال: ولا غابت شمسٌ إلا وبجنبتيها ملكان يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا»(2).هذا الحديث فيه زيادة على حديث أبي هريرة، والحديث معناه واضح كما تقدم حديثٌ صحيح في اللفظ الأول عند البخاري، ويؤخذ من هذا أيضًا أن الإنفاق من أسباب البركة في الوقت، ومن أسباب البركة في النفس والوقت والمال؛ لأن هذه البركات وهي السعة والكثرة والدوام مترابطة من جهة أنها إما نفقاتٌ خيرية مالية، وإما أعمالٌ بدنية عبادية، فكلها من أعظم أسباب البركات.
أما قوله: يقال: خذ رزقك لا بارك الله لك، لا ما أدري عن هذا اللفظ، والأظهر أن مثل هذا اللفظ لا يصح، وقد ورد حديث عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند من رواية عثمان -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال فيما يروى عنه: «الصبحة تمنع الرزق»(3)، وهذا الحديث لا يصح برواية ابن أبي فروة، وهو متروك «الصبحة تمنع الرزق»، وجاء في رواية أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل بيته، أو مر بفاطمة -رضي الله عنها- وهي نائمة، فحرك رجليها، وقال: «الصبحة تمنع الرزق»، وهذا الخبر لا يثبت. كما تقدم إنما المعنى الذي دل عليه أن البركة تكون في أول النهار مثلما تقدم في حديث صخر الغامدي رضي الله عنه(4) كذلك حديث علي بن أبي طالب،(5) وفيه المبادرة إلى طلب الرزق، وكذلك المبادرة إلى سائر أعمال الخير، فيجد الإنسان من البركة في هذا الوقت، ما لا يجده في غيره، ومن ذلك أيضًا النظر بالسعة والمدد من السماء، والبركة من السماء حينما ينفق الإنسان.كما قال عليه الصلاة والسلام لأسماء: «أَنْفِقِي، وَلاَ تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلاَ تُوعِي، فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أخرجه البخاري (1442) ، ومسلم (1010).
(2)أخرجه أحمد (21721) والطيالسي (979) ، وعبد بن حميد (207).
(3) أخرجه أحمد (530) إسناده ضعيف جدا شبه موضوع، إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير أهل بلده، وابن أبي فروة - واسمه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة - قال البخاري: تركوه، ونهى أحمد عن حديثه، وقال: لا تحل الرواية عنه، وما هو بأهل أن يُحمل عنه ولا يُروى عنه، وقال علي بن المديني: منكر الحديث، وقال عمرو بن علي وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني والبرقاني: متروك الحديث. أبو إبراهيم الترجماني: هو إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البغدادي، ومحمد بن يوسف: هو القرشي مولى عثمان، وقيل: عمرو بن عثمان، وثقه أبو حاتم والدارقطني،
(4) وأخرجه أبو داود (2606) ، والترمذي (1212) ، وابن ماجه (2236) ، سعيد بن منصور في "سننه" (2382) ، وابن أبي شيبة 12/516، وابن حبان (4754) ، والطبراني في "الكبير" (7276) ، وقال الترمذي: حديث صخر الغامدي حديث حسن، ولا نعرف لصخر الغامدي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث.
(5) أخرجه أحمد (1320). حديث علي رضي الله عنه.
(6) أخرجه البخاري (1433) ، ومسلم (1029) (88).