مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

السؤال: وردت أحاديث، وأثار عن الصحابة في ذكر المسافة بين الأرض والسماء فما صحتها؟ وإن كانت صحيحة فكيف التوفيق بينها؟ وهل كثرتها وتنوع طرقها دلالةٌ على أن لها أصل؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; وردت أخبار وأثار عن الصحابة -رضي الله عنهم- في المسافة بين السماء والأرض، وهذه الأخبار الغالب عليها الضعف، وقد جاءت من حديث العباس بن عبد المطلب، ومن حديث أبي هريرة، من حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث عبد الله بن عمرو، ومن حديث أبي ذر، وجاء موقوفًا عن عبد الله بن مسعود وأخبار أخرى لكن هذه من أشهر الأخبار للعلماء. (خمسة) أخبار مرفوعة وواحد موقوف عن ابن مسعود. - الأول: من حديث عباس بن عبد المطلب، وقد رواه أحمد، وأبي داود والترمذي وابن ماجة ،وهو حديث طويل وفيه «أن بين السماء والسماء قال: إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون عامًا مسيرة فيه» في حديث ابن عباس أنه مسيرة هذه المسيرة، وهو من طريق عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس، وعبد الله بن عميرة مجهول وهو لم يسمع أيضًا من الأحنف بن قيس. (1). - الحديث الثاني: حديث أبي هريرة رواه أحمد، والترمذي من طريق قتادة عن الحسن عن أبي هريرة وفيه: «أنها مسيرة خمسمائة عام»(2). - والحديث الثالث: حديث أبي سعيد الخدري فذلك أيضًا عند أحمد والترمذي، وفيه أن «ما بين السماء والأرض خمسمائة عام». وهذا الحديث من رواية ابن لهيعه عن دراج عن أبي هيثم، وهذا له علتان (ابن لهيعه) ضعيف –رحمه الله-، ودراج عن أبي الهيثم أيضًا ضعيف. (2) والحديث الرابع: حديث عبد الله بن عمرو عند أحد والترمذي وهو من أقوى الأخبار في هذا الباب من حديث عبد الله بن عمرو قال: «لو أن رصاصةً مثل الجمجمة أُرسلت من السماء للأرض لبلغت قبل الليل، ولو أرسلت من رأس السلسلة لصارت أربعين خليفة الليل والنهار». وهذا الحديث ظاهر سنده لا بأس به محتمل، وذكر في نفس الخبر هو أنَّ ما بينهما بين السماء أن (خمسمائة) عام وهذا الحديث الرابع. (4) الحديث الخامس: حديث أبي زرعٍ عند البزار من رواية حُميد بن هلال أبي نصر البصري، عن أبي ذر وفيه كذلك أن «المسافة خمسمائة عام»وهو منقطع(5). والأثر السادس: قول عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- عند ابن خزيمة والدارمي في الرد على الجهمية، ورواه آخرون وله عنه طرق ومع الطرق(6) الصحيحة، وهو من أصح الأخبار في هذا الباب. فقال جمع من أهل العلم: إن مثل هذا لا يقال به الرأي، وابن مسعود لم يعرف أنه يأخذ عن أهله الكتاب. فقالوا: إن حكمه حكم الرأي، والله أعلم. لكن كثيرٌ من أهل العلم احتج بهذه الأخبار وذكرها، ومن المعاصرين من تكلم فيها، وقال: أخبار لا تثبت، وقال: إن أهل الفلك يثبتون مسافات عظيمه بالملاين السنوات ونحو ذلك لا تتفق مع هذه الأخبار.وليظهر والله أعلم أن الجواب عن هذا:إن كانت هذه أخبار ثابتة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- فهذا هو الحق، وما يقرره ويقوله أصحاب الفلك فهذه نظريات تحتمل الخطأ والصواب، وإن جزم بها أهلها كم جزموا بنظريات، وقطعوا بها حتى استخفوا بعقول من خالفها ثم بعد ذلك إذا هم يستخفون بعقولهم كيف صدقوا بها. فهذا إذا كانت هذه الأخبار ثابتة. وإن كان فُرض أن هذه النظريات صحيحة فنعلم قطعًا أنه لا يمكن أن يتعارض أمرٌ نص صح به من الصحيح لا يعارض أمرًا ثبت به العقل الصريح لا يمكن أن يتعارض  لا بد أن يكون أحدهم خطأ. إما أنَّ الخبر لا يصح أو أن ما أثبت من جهة العقل والنظر أنه لا يصح، وهذا أمرٌ مقرر متفقٌ عليه؛ لأنه حينما يكون هذا ثابت وهذا ثابت وهما متناقضان فلا يمكن أن يقال به بهما جميعًا لا بد أن يكون أحدهما غير صحيح. فإن ثبت ما ذكروا، وثبتت الأخبار فيحتمل أن المراد بهذه المسافات ليست المسافة بين هذه الكواكب العلوية والكواكب السفلية لعل المراد أن المسافات هي امتداد هذه الكواكب، وطول هذه الكواكب لا المسافات التي تكون بينها. مع إنه جاء في بعض الروايات «وكثف كل سماء خمسمائة عام» وهي أخبار كما تقدم متكلم فيها، وهذا هو الذي يجب حال النظر في مثل هذا، وأن نقول: "سمعنا وأطعنا" خاصة أن هذه ربما أحيانًا بعض ما يذكر عن ذكر أمور ملايين من السنوات، وما أشبه ذلك قد يقال: إنها أيضًا لم يكون اتفاق منهم قد من يخالف مثل هذا، ومن أين لهم بمثل هذا؟ غايتهم يعتمدون على أمور وأثار وأشياء. ففي الحقيقة لو أنه ادعى مدعٍ عدم صحتها لكان قوله بينًا. مثل ما يأتي عن الفلكيين في مسألة الرؤيا، رؤية القمر وولادة القمر يأتي أحيانًا يقطعون بذلك، وأنه ربما لا يولد ثم بعد ذلك ثبت رؤيته على خلاف ما قالوا، وكانوا يقطعون بذلك ثم يخرسون ويسكتون؛ لأنه تبين لهم خطأ ما هم عليه؛ لأنه بني على نظريات في الأصل مأخوذة من أُناس لا يُعرف، يعني لم تأخذ أخذت على سبيل التقليد، ونظريات مسلَّمة حينما تذكر عن فلان وفلان تأتي كنظرية مسلَّمة لا أنهم يعني هم الذين وقفوا عليها وعلموها. فهذه الأخبار، وما جاء في معناها محتملة، وإن كان أيضًا يحتاج إلى النظر في هذه الأسانيد والطرق، ويتبين أن هناك شواهد أخرى بطرقٍ أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ ) ، قَالَ : قُلْنَا : السَّحَابُ ، قَالَ : ( وَالْمُزْنُ ) ، قُلْنَا : وَالْمُزْنُ . قَالَ : ( وَالْعَنَانُ ) ، قَالَ : فَسَكَتْنَا ، فَقَالَ : ( هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؟ ) ، قَالَ : قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ رُكَبِهِنَّ وَأَظْلافِهِنَّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ ).أخرجه أبوداود (4723) والترمذي (3320)، وابن ماجة (193) وأحمد (1773) وقال الألباني: ضعيف. (2) عن الحسن البصري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّتْ سَحَابَةٌ فَقَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ ؟ ... ) وذكر نحو الحديث المتقدم ، " قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( الْعَنَانُ ، وَرَوَايَا الْأَرْضِ ، يَسُوقُهُ اللهُ إِلَى مَنْ لَا يَشْكُرُهُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا يَدْعُونَهُ ، أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ فَوْقَكُمْ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : ( الرَّقِيعُ ، مَوْجٌ مَكْفُوفٌ ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ، أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ )، ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الَّتِي فَوْقَهَا؟ قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : سَمَاءٌ أُخْرَى ، ( أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا ؟ ) ،قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) ، ثُمَّ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: ( الْعَرْشُ) ، قَالَ : أَتَدْرُونَ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ؟ ) ، قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ ( رواه أحمد في " المسند " (14/422) ، والترمذي في " السنن " (3298(  وهذا حديث شديد الضعف أيضا ، فقتادة مدلس ولم يصرح بسماعه من الحسن البصري ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة ، كما قال أيوب السختياني : " لم يسمع الحسن من أبي هريرة " انتهى من "المراسيل" لابن أبي حاتم (106). لذلك قال الترمذي : غريب من هذا الوجه . وقال الجورقاني : " باطل " انتهى من " الأباطيل " (1/201) ، وقال ابن الجوزي : " لا يصح " انتهى من " العلل المتناهية " (1/27) ، وقال ابن حجر : " لا يصح سنده " انتهى من " تحفة النبلاء " (63). وقال الذهبي : " منكر " انتهى من " العلو " (74)، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ". (3) الحديث من طريق ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :  (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) [الواقعة: 34] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ارْتِفَاعَهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ ) .رواه الإمام أحمد في " المسند " (18/247)، والترمذي في " السنن " (2540) وقال : حديث غريب ، إشارة منه إلى ضعفه ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي ".وضعف هذا الإسناد ظاهر جدا ، بسبب ابن لهيعة ، ودراج أبي السمح ، وخاصة في روايته عن أبي الهيثم  (4) أخرجه أحمد (6817) والترمذي (2588)، والحاكم (2/438). (5) حديث أبي نصر ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) : كثف الأرض مسيرة خمس مائة عام ، وبين الأرض العليا وبين السماء الدنيا خمس مائة عام ...... ) رواه البزار في " البحر الزخار " (9/ 460) ، وقال : " هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد . وأبو نصر هذا أحسبه حميد بن هلال ولم يسمع من أبي ذر ".وقال الجورقاني : "حديث منكر " انتهى من " الأباطيل " (1/200) ، وكذا قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " (1/12( وقال ابن كثير في " تفسيره " (4/303) : " في إسناده نظر ، وفي متنه غرابة ونكارة ". (6) أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه ( 105 ) وفي كتاب التوحيد له (رقم 594 ) عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ : " بَيْن السَّمَاء الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيهَا خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن كُلّ سَمَاء مسيرة خَمْسمِائَةِ عَام . وَفِي رِوَايَة " وَغِلَظ كُلّ سَمَاء مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن السماء السَّابِعَة وَبَيْن الْكُرْسِيّ خَمْسمِائَةِ عَام , وَبَيْن الْكُرْسِيّ وَبَيْن الْمَاء خَمْسمِائَةِ عَام , وَالْعَرْش فَوْق الْمَاء وَاَللَّه فَوْق الْعَرْش وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالكُمْ " وصححه الذهبي في العلو ( ص64 ) وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية ( ص 100).


التعليقات