مصدر الفتوى :
اللقاء المفتوح
السؤال :

يقول السائل عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاطروهم إلى أضيقه) رواه مسلم ما معنى فاطروهم إلى أضيقه؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; هذا واضح ولله الحمد ولا يشكل وإذا أشكل على الإنسان خبر فلينظر الأخبار المفسرة المبينة فالأخبار يوضح بعضها بعضًا قال تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين﴾([1]) الإحسان والقسط والعدل مع هؤلاء أمرٌ مطلوب وهذا من هديه عليه الصلاة والسلام وهدي أصحابه رضي الله عنهم معلوم في المدينة ممن كان حوله من اليهود, ولذا جاءت الأخبار في هذا الباب واضحة ومنها ما رواه البخاري (2) في حديث أنس رضي الله عنه: في ذلك الغلام اليهودي الذي مرض ودخل عليه عليه الصلاة والسلام وفيه أنه دعاه إلى الإسلام فنظر إلى أبيه فقال: أطع أبى القاسم فخرج النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار, وعند أبي داود بسندٍ صحيح الحمد لله الذي أنقذه بي من النار, وثبت أنه عليه الصلاة والسلام مر وجاءهم في مدراسهم ورجلٌ مريض منهم والحديث فيه قصة وفي آخره أن ذاك الرجل المريض أمره أمر ذاك الذي غطى ما يدل على نبوته بأن يرفع يده وفيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم مات ثم قال النبي يعني قوموا إلى أخيكم لأنه بذلك كان مسلمًا فانقطعت ولايته عن الكفار, فهديه في هذا عليه الصلاة والسلام وهدي أصحابه معروفٌ في الأدلة، وهذا الخبر في قوله: "إذا لقيتم أحدهم في الطريق لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام"(3) وناسب المعنى النهي عن البدأ بالسلام أنه ربما يلقاه في الطريق فإذا كان لا يسلم عليه ولا يبدأه بالسلام فإذا لقيه من عزة المسلم وكرامة المسلم أن لا يكرمه بشيءٍ آخر، لأن هذا ينافي المعنى من جهة النهي عن البداءة بالسلام, فلو كان لا يبتدأه بالسلام ثم إذا لقيه في الطريق أكرمه فأفسح له في الطريق لم يكن هذا المعنى مناسب, بل المعنى المناسب بكونك لا تبدأ الكافر بالسلام والمعنى كل كافر؛ لأن إذا كان هذا في اليهودي والنصراني فغير اليهود والنصراني من باب أولى أنه لا يبدءه بالسلام, فإذا لم يبدأ بالسلام كان من المعنى المناسب أنك إذا لا لقيته إنك لا تفسح له الطريق, ولو فسحت له الطريق وأكرمته كان من المناسب كما أنك أكرمته بذلك فإنك تسلم عليه لكن كما أنه ليس أهلًا للسلام بالبداءة به لكفره كذلك ليس أهلًا أن تكرمه، بمعنى أن توسع له في الطريق وليس المعنى ذلك أن تأذيه، قال: فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ" وهذا يأذن والله أعلم أنه إذا كان الطريق ضيقاً ولا يمكن المرور يعني في وسط الطريق إلا لأحدهما، وأحدهما يسلك  جوانب الطريق من  هنا ومن هنا ربما يكون هناك جدران أما إذا كان الطريق واسعًا في هذه الحالة في الغالب أنه يكون المرور سهلًا ولا يحصل اضطرار, حتى لو مشى في طريقه فإنه يسلك الطريق ولا يحصل اضطرار, لكن لو كان الممر يعني يكون فيه ضيق أو يعني يضيق وسطه, بالذي تطرقه الأقدام عن الذين يمرون ويقابلهم غيرهم من الكفار أو كان مثلًا الطريق واسع لكن يعني تقابل أهل الإسلام مع كفار والطريق لا يسع لهم كذلك هو من هذا الباب, وهذا القدر يحصل به مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: (فاضطرهم إلى أضيقه) وهذا لا شك نوع من الاضطرار حينما يراك تمشي في الطريق ولا تنحرف يمينًا ولا شمال فإنه يسلك إلى الطريق الضيق وهذا واقع حينما يكون الطريق  ضيقًا بأن يأخذ يمنة أو يسرة, وليس فيه إيذاء هذا ليس فيه إيذاء إنما المعنى أنه يسلك طريقًا آخر ويكون وسطه لأهل الإسلام وهذا واضح من جهة أنهم دخلوا بالعهد والذمة أو بالأمان أو بالجزية, فلا يمكن أن يكون لهم شيء من العزة, ثم أيضًا في الحقيقة إعزازهم بهذا بالسلام وكذلك بالإكرام وسط الطريق من أسباب ثباتهم على ما هم عليه من الكفر, إذ قد يسول لهم الشيطان وأنهم يقولون لو كنا على غير الباطل فإنهم لم يصنعوا بنا هكذا لكن حينما تكسر كبريائهم بين المسلمين حينما يأتون إلى بلاد المسلمين فتكسر كبريائهم في هذا الشيء، فهذا نوعٌ من التعزير الذي لا أذية فيه, كما تلقاهم بوجهٍ مكفهرٍ مربدٍ يعني حينما لا يكون لك مصلحة ولا حاجة في الجلوس معه أو في الحديث معه ليس في أي مصلحة ولا حاجة في هذه الحالة لا تقابله بالبشاشة ونحو ذلك والغالب أن الكافر لا يستنكر هذا, لكن حينما ترى لقاءه بالبشاشة سببٌ لإسلامه وهدايته فهذا من الأمر المشروع، أما إذا لم يكن فيه مصلحة إلا أن تبذل هذا الشيء وهو على ما هو عليه بل ربما يزيده أنفةً فمن المصلحة أن لا تقبل عليه الإقبال الذي تقبل به على أخيك المسلم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1])) سورة الممتحنة الآية: 8 (2) أخرجه البخاري رقم (1290) واللفظة المشار إليه عند أبي داود (3095). (3) أخرجه مسلم رقم (2167).


التعليقات