عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء, رواه مسلم. وزاد في رواية غراب الجمل، ماصحة هذه الزيادة؟ وما المقصود بفضل الماء، وغراب الجمل، وعسف الفحل؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
غراب الجمل هذا أيضًا في صحيح مسلم عن جابر(1) ، وعسف الفحل رواه البخاري عن ابن عمر(2), وعند النسائي عن عسف التيس(3، فضل الماء هو: إذا كان الإنسان في البرية عنده بئر, أو في البستان وعنده بئر فضل عن حاجته وزاد عن حاجته, فإن السنة أن يبذله بغير عوض إذا زاد عن حاجته. لكن هو لا يلزمه أن يخرجه له, أيضًا لا يلزمه أن يُمكنه من دخول بستانه, إنما لو كان في مكان مفتوح أو بستان مفتوح أو عند بئر, فأخذ حاجته لشفته أو لدوابه ففضل ماء, فإنه لا يمنع على الصحيح«رَجُل على فَضْل ماء بِفَلاة (الصحراء) يمنعه من ابن السبيل»(4). وقال صلى الله عليه وسلم في الصحيح «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فضل الْكَلَأَ»(5), لأن صاحب الماشية حينما يأتي تراعى ماشيته, وعندها ماء فالماشية تحتاج بعد الرعي إلى الماء, فإذا منع ماشيته من شرب الماء تسبب في منعه من الكلأ, فلا يأتي إلى هذا المكان لأنه يضطر أن يزود ماشيته؛ يعني أكلت الكلأ تحتاج إلى أن تشرب «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ».
لا تمنع فضل ما لم تصنع يداك هذا لا يجوز فالمراد ما زاد عن حاجته.أما الشيء الذي يحوزه في آنية أو في قدور فهذا له ويملكه بالإجماع. غراب الجمل هو؛ ما يكون من الفحل الذي يُنزى؛ سواء كان الفحل يُنزي فرسه من الخيل, أو أن يُنزي الكبش على الأنثى من غنمه, وكذلك التيس ونحو ذلك. فهذا لو أنه قال: وأُجِرك هذا الفحل لغنمك, أو لإبلك, أو لخيلك بهذا المال. هذا لا يجوز. قيل: لأنه مجهول ولا يُعلم, ولا يُرى, أمرٌ مجهول. وقيل وهو أصح: أنه ليس من المروءة أخذ مال على الماء, وهو نفس الزراب, وهذا أصح وهو يجري كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الهر(6), فالنهي عن بيع الهر هو من هذا الباب لأنه من الأمور التي لا ينبغي أخذ المال عليها, فينبغي أن يكون على باب العارية والعطية, ولهذا لا يمنع الإنسان العارية لجاره أو نحو ذلك, فهذه أمور يتبادلها الناس ولا يأخذون لها مالًا, ولذا قال سبحانه: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}(7). وجاء في حديثٍ جيد رواه الترمذي حديث أنس أنه قال: يا رسول الله إنا نطلق الفحل يعني يُعطي فحله لصاحب ماشيه مثلًا, فيُكرم الكرامة يعني يُعطونه. قال: لا بأس بالكرامة يعني الشيء(8), هذا رواه الترمذي بسندٍ جيد. قال: لا بأس بالكرامة.لو إنسان أطلق فحله لإنسان فأعطاه بلا شرط فهذا لا بأس به, وروى ابن حبان من حديث كبشة الأنباري أنه صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا فَأَعْقَبَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا»(9) في سبيل الله, فهذا هو المطلوب, والنهي لأجل أنه ليس من المروءة والكرامة أخذ المال عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم (1565).
(2) أخرجه البخاري رقم (2284).
(3) أخرجه النسائي( 7/311).
(4)أخرجه مسلم رقم (108).
(5)أخرجه البخاري رقم (2354).ومسلم رقم (4012).
(6) أخرجه مسلم (1569)
(7) سورة الماعون. الآية 7.
(8)عن أنس بن مالك أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فنهاه فقال: يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم فرخص له في الكرامة. أخرجه الترمذي (1274) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/22): صحيح.
(9) أخرجه أحمد (4/231) وابن حبان في صحيحه (1637)، وإسناده صحيح.