ما طريقة حفظ السنة باﻷسانيد؟ و ما رأيكم حفظ جمع بين الصحيحين؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ; لاشك أن حفظ السنة وخاصة بالأسانيد من أجلِّ العلوم وأفضلها وأعظم العلوم هو علم كتاب الله سبحانه وتعالى حفظًا وفهمًا وتدبرًا, والسنة كما لا يخفى جاءت بالأسانيد والطرق التي حفظت بها ولله الحمد, ومن تيسر له حفظ الصحيحين فهذه نعمة عظيمة، لكن لاشك أن الهمم تقصر في الغالب عن حفظ الصحيحين متنًا وإسنادًا, ويجتهد طالب في إدمان المطالعة في الصحيحين، وهذه قد تكون أبلغ في ضبط العلم واستحضار العلم, وخاصة من هذين الأصلين؛ لأن إدمان المطالعة فيهما من أعظم ضبط الأصول في الأحاديث سواء في الصحيحين أو في بقية الكتب الستة، وهي السنن الأربعة، و كذلك كتب الأسانيد والمعاجم؛ لأن أصول أسانيد هذه الكتب ترجع إلى هذه الروايات في الصحيحين, لا من جهة صحتها ولا من جهة متونها التي هي أصول في هذا الباب. ولهذا إدمان المطالعة في هذين الصحيحين يعطي طالب العلم قوة في معرفة الأسانيد، وقوة في ضبط الأخبار التي هي أصول الأحكام, ولاشك أن هناك أسانيد كثيرة، يمكن لطالب العلم أن يرجع إليها لكلام أهل العلم، التي هي متكررة وكثيرة في الصحيحين ومشهورة، وسلاسل معروفة, والبخاري رحمه الله ذكر منها جملة، بل في الصحيحين جملة منها ، ومن السلاسل المشهورة رواية مالك عن نافع عن ابن عمر, ومالك في موطئه يروي مباشرة عن نافع، وهذه توجد كثيرًا في الصحيحين وغيرهما, فضبط هذه الرواية مما يعين على ضبط أسانيد الصحيحين في الأحاديث التي جاءت من هذا الطريق.وكذلك من السلاسل والأسانيد التي تكثر رواية محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمر السلماني عن علي بن أبي طالب, وكذلك رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, وكذلك رواية الزهري عن سعيد المسيب عن أبي هريرة، وكذلك رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله عباس سلسلة مشهورة في الصحيحين، وهي إسناد عالٍ، وكذلك أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة, وسلاسل أخرى وأسانيد أخرى. كذلك رواية الأعمش عن أبي صالح السمان الزيات المدني عن أبي هريرة ، كذلك سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه، والروايات كثيرة في هذا الباب, وهذه السلاسل تكثر، وطالب العلم حينما يدمن المطالعة في صحيح البخاري تمر عليه كثيرا, وكذلك رواية من أول الإسناد، فتجد مثلًا رواية البخاري عن علي بن المديني عن سفيان عن عمرو بن دينار ، فهذه أيضًا رواية تأتي كثيرًا, ربما تكون السلسلة من جهة الرواية إلى جهة الصحابي، وممكن تكون من جهة المصنف, في رواية مثل عبد الله التنيسي عن مالك مثلًا، وهكذا روايات من سليمان بن حرب عن حماد بن زيد وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري عن حماد بن زيد, ولهذا ربما يأتي الاسم مهملًا، فيعلم أن الشيخ هذا هو فلان؛ لأنه يختص بالرواية عنه.أقول إن إدمان المطالعة في الصحيحين يجعل هذه التراجم ترتسم في ذهن المطالع، ثم أيضًا يحصل مقصودك من جهة النظر في المتون، تنظر في متن البخاري، والبخاري تتكرر متونه كثيرًا، وإن كان يقطِّعها، وتختلف الروايات فالرواية حينما تكرر عندك بتراجم وأسانيد فإنك تضبطها. ومداومة المطالعة في الصحيح، وخاصة لو قرأته مرة واحدة في الغالب أنه لو سمعت حديثًا في البخاري بعد قراءتك له مرة تستحضر هذه الروايات، فإذا كررت مرة أخري كذلك، ثم إذا طالعت مسلم وجدت كثيرًا من الروايات والأسانيد والطرق التي رواها البخاري موجودة في مسلم, مع المتون، خاصة أن مسلم رحمه الله يروي الحديث في مكان واحد أو في موضع واحد, فتتكرر المتون أو يتكرر المتن برواياته, وأنت حينما تقرأ حديث في صحيح البخاري متفق عليه، ثم تأتي إلى مسلم فترى هذا الحديث متفق عليه، ثم ترى مسلم رواه عن صحابي آخر لم يروه البخاري، عند هذا تربط وتعرف أن هذا من أفراد مسلم, وأفراد مسلم كثيرة عن البخاري لا أقصد زيادته في الأحاديث التي فرضتها لا زيادتها في متن اتفقا عليه ثم هو رواه عن صاحبي آخر، وهذا كثير في الروايات وزيادات مسلم عن صحابة آخرين. فحينما تطالع مسلم وتقرأه فأنت مع عنايتك بالبخاري قبل ذلك، تستحضر تلك الرواية عن هذا الصحابة ثم ترى مسلم رواه عن صحابي آخر, أو ربما زاد في هذا المتن, فتضبط هذه الرواية, وإذا كان لك همة وإقبال على العلم فهذا من أعظم أسباب ضبط الزيادات، وهذا باب واسع لا يتسع الوقت لضبط الكلام عليه في مثل هذا الوقت, ولذا أقول إن صرف طالب العلم همته إلى مطالعة الصحيحين وألا يتكلف حفظها كلمة كلمة، وإن كان حفظها كلمة كلمة وإسناد إسناد هذه درجة عالية, لكن قد يقصر العموم عنها، وربما أنك حفظته، فإنك تحتاج إلى الساعات الكثيرة في الأسبوع حتى تراجع، وهذا قد يكل الإنسان وينقطع عن بعض الأمور التي هي مهمة في المطالعة والبحث خاصة مع ضعف الحفظ وضعاف الهمم, هذا ليس تهوينًا من أمر الحفظ، لكن قد تحصل بمداومة النظر من هذه الساعات الطوال في الحفظ ما لا تحصله حينما تقرأ مثلًا حديث طويل في البخاري، وقد يستغرق وقت طويلًا ثم مراجعته كذلك، وهذا الحديث الطويل قد تستحضر به باب كامل من أبواب الأحكام.ثم حينما يستحضر الإنسان الصحيحين، ولاشك أن استحضارها لا يتيسر لكل أحد، ويعلم الإنسان عن نفسه ضعفه عن ذلك, لكن الإنسان يهدي النصيحة ويسديها إلى إخوانه، وإن كان ضعف تفصيلها وإسداء النصيحة، ومن منَّ الله عليه في مطالعة الصحيحين وإدامة النظر في الصحيحين ومعرفة الروايات، وليس شرط في ذلك أن تحفظها حفظًا, لكن إن تيسر ولو بمعنى بمعرفة الألفاظ، وما يحيل المعنى ثم حينما تقرأ في سنن أبي داود, فإنك إذا مرَّ حديث في الصحيحين، وهذا الحديث تعرف أنه متفق عليه، وهذا يكفيك عناء البحث عن هذا الحديث, صحته وضعفه تعرف أنه متفق عليه أو عند البخاري أو عند مسلم في الغالب، بعدما اعتنيت بالصحيحين وهكذا سنن الترمذي, وهذا يعطيك فائدة وهو أنه يختصر عليك الطريق في كتب السنن, ثم هذه التراجم تمر عليك فأنت لا تحتاج إلى البحث ربما إسناد كامل لا تحتاج أن تراجعه، ربما الذي تراجع سنن أبي داود والحديث ليس في الصحيحين ولا في غيره, وتحتاج إلى مراجعة، قد لا تحتاج البحث عن ثلث الإسناد أو جميع الإسناد بأنك علمت أن إسناده هو لرجال الصحيحين أو رجال أحدهما، وقد تحتاج إلي البحث في أمر يتعلق بالسماع، ونحو ذلك في اتصال السند إلى غير ذلك، وإدمان النظر في الصحيحين فيه فوائد عظيمة من جهة تكرار الرجال وأسماء الرجال وتراجمهم ومعرفة طبقات الشيوخ أصحاب هذه الكتب, ثم شيوخهم، وتعرف الطبقات العليا والطبقات الوسطي والتي دونها وهكذا. فهذا هو أولى الطرق وهو طريق عملي، وربما تكون هناك طرق نظرية في الحفظ والناس لهم طرق كثيرة, لكن هذا طريق عملي، وهو أنك تراجع ويحصل لك مع المراجعة بإدامة النظر وكثرة البحث ضبط للروايات مع الاستعانة بالله عز وجل والدعاء وسؤال التوفيق ومع نية الإنسان حينما يطالع هذه الكتب أن تكون نيته لأجل أن يتعلم، ويعلم لأجل أن يعلم غيره فيصحح النية، يصحح القصد، هذا أهم وأعظم أسباب الضبط، ومن أعظم أسباب الحفظ والتوفيق والتسديد والتأييد منه سبحناه وتعالى ليس مجرد الحفظ لحفظ العلم للعلم، لا؛ الحفظ وطلب العلم للعمل والتعليم، هذا هو المطلوب من طالب العلم حينما يتعلم كما وصى به أهل العلم، وتواترت بذلك أخبار كثيرة.