هل الدعاء بالرحمة للأموات "الله يرحمهم" يجوز كل وقت أو يحتاج إلى أوقات الإجابة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
إن كان مراد السائل أن الله سبحانه وتعالى في حال الدعاء للأموات يستجيب الدعاء فيرحمهم, وأن الرحمة تنزل عليهم, أو أن هذا خاص بأوقات الإجابة, بداية الدعوة للأموات والأحياء بإجماع المسلمين مشروعه {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ }(1). والمسلمون يصلون على الميت, ويدعون له في أي وقت بل أن تعجيل الصلاة عليه أولى، فلا يقال نؤخره إلى وقت ترجى فيه الإجابة, فلو أنه توفي بعد صلاة العشاء فلا يقال نؤخر الصلاة عليه إلى وقت الثلث الأخير من الليل، لأنه وقت النزول الإلهي وهو أفضل، نقول لا الأفضل هو تعجيل الصلاة عليه والمبادرة بحمله ودفنه هذا هو ما دلت عليه السنة, لكن في حال الاختيار والسعة فإن المكلف يدعوا ويستغفر ويكثر من الذكر في سائر الأوقات ويجتهد في أوقات الإجابة, والإجابة قد تكون أوقات محددة وقد تكون أحوالًا, فالسجود هذا حال من الأحوال ليس وقتًا محددًا, يقول النبي عليه الصلاة والسلام «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, فأكثروا الدعاء»(2). قال: « فإنه حريٌ أن يستجاب لكم»(3). فذلك حال السجود.
كذلك حال الإخبات والخشوع والخضوع, هذا ورد في أخبار في ثبوتها نظر، لكن لا شك أن العبد حينما يطرق عتبة العبودية بالذل والانكسار فهذه كسرة للقلب وهي من أعظم أسباب إجابة الدعاء، انكسار القلب وإقبال القلب من أعظم أسباب الإجابة, حينما يسأل ربه سبحانه وتعالى ذاكرًا حاله وفقرة واحتياجه, وأنه محل الذنب, محل الخطيئة, محل الغدرات, محل الفجرات, محل التقصير, والله سبحانه وتعالى أهل العفو والمغفرة، والجود والكرم والعفو والعافية، فيذكر العبد حاله ويثني عليه سبحانه وتعالى بما هو أهل فهذا من أعظم أسباب الإجابة،كذلك أوقات أخرى مثل ثلث الليل الأخير، وبعد الأذان مباشرة وكذلك بين الأذان والإقامة إلى أن تقام الصلاة, هذا ورد في حديث أنس الصحيح عند أبى داود والترمذي الدعاء بين الأذان والإقامة(4), وأما بعد الأذان فجاء من حديث جابر عند البخاري(5)، ومن حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم(6), ومن حديث سعد بن أبى وقاص في صحيح مسلم(7)، وكذلك حديث جيد عند أبى داوود,من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنهم قالوا يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا قال:« قل كما يقولون ثم سل تعطى»(8). وهذا يفسره الأخبار الأخرى الدالة على مشروعية الدعاء، كما في حديث جابر وسعد وعبد الله بن عمرو, يعني يدعوا دعاء المسألة، بعدما يدعوه سبحانه وتعالى دعاء الثناء, فالعبد يتحرى هذه الأوقات ويجتهد فيها لنفسه ولإخوانه من الأحياء والأموات، ودعاء المسلم للغائب من أعظم أسباب الإجابة, وسواء كان الغائب غيبة كلية, أو لغائب من الأموات كذلك, ولهذا في الحديث الصحيح حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء أن أسرع الدعاء إجابة « دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة»(9). والملك يقول آمين ولك بمثل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة: الحشر، الآية (10).
(2) أخرجه مسلم رقم (484).
(3) "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" أخرجه مسلم برقم (479).
(4) أخرجه أحمد (12224) وأبو داود رقم (521)، والتِّرْمِذِيّ ( 212).
(5) أخرجه البخاريُّ في صحيحه رقم ( 589، 4442).
(6) أخرجه مسلم رقم (384).
(7) أخرجه مسلم رقم (579).
(8) أخرجه أبو داود رقم (524)، وسنده صحيح.
(9) أخرجه مسلم رقم (2733).