يقول : انتشر استحباب ذكر المعوذتين والإخلاص بعد الفجر والمغرب لحديث عبد الله بن خبيب قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا، فأدركناه، فقال قل أمراً: فلم أقل شيئاً، فقال: قل، فلم أقل شيئا، قال: قل، فلم أقل شيئاً، قال
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
هذا الحديث حديث معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه مشهور وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال له:((اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي تكفيك كل شيء))(1)، وفي حديث آخر، حديث عقبة بن عامر من طرق وأصله في صحيح مسلم لكن ليس فيه ذكر قراءتها أنها أنزلت عليه -عليه الصلاة والسلام- هذين السورتين (2)، وجاء عند النسائي وغيره في قراءتها في هاتين السورتين(3)، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، وبعضهم ألحق بها قل هو الله أحد في حديث عقبة بن عامر، ووقع اختلاف في هذه الروايات، والحقيقة تحتاج إلى تحرير هذه الروايات. هذه رواية عبد الله بن خبيب جاءت من طريق أسيد بن أبي أسيد جاءت من طريق غيره، ورواية أسيد بن أبي أسيد قيدها بالصباح، وجاءت بعض الروايات غير مقيدة، وفي بعض الروايات مذكور فيها قل هو الله أحد والمعوذتين، (4). وبعضها لم يذكر فيها قل هو الله أحد وذكر المعوذتين، وأسيد بن أبي أسيد لا بأس به لكن يحتمل أن يقال مثلاً أن روايته هذه خاصة إذا كانت الطرق التي اتفقت على عدم التقييد هذا محتمل، لكن قد يؤيده من ذكر التقييد أنه في حديث عقبة في قراءة المعوذتين عقب كل صلاة وهو تكرارهما على هذه الرواية بعد صلاة الفجر والمغرب، فهو يشهد من حيث الجملة في قراءتها بعد الصلاة، وفي حديث عبد الله بن خبيب زيادتان زيادة تكرار وزيادة التقييد في زيادة التكرار، أما التقييد هو معلوم في حديث عقبة لكن بدون التكرار. وإذا قيل أن الصباح والمساء محفوظ فعلى هذا إذا قرأهما بعد الفجر وبعد المغرب هذا وقتٌ مناسب لأنه وإن كان وقتاً مطلقاً فإن تقييده بعد الصبح لظاهر حديث عقبة يتفق معه في المعنى، خاصة أنه في حديث عقبة بن عامر اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت(5)، وجاء ما يدل على مشروعية قراءتهما في كل وقت، فدل على أن تكرار هاتين السورتين أمر المشروع، فلو أن الإنسان داوم عليهما في هذا الوقت، بناءً على أنه موضع ذكر وأن هذا الذكر أيضاً مشروع في حديث عقبة كما تقدم وإن لم يكن فيه تكرار فهذا مما يبين قرب هذه الرواية. أما من جهة تحرير هذه الرواية والنظر فيها يحتاج إلى جمع الأسانيد؛ لأنه لم يتيسر لي في الحقيقة مراجعة الأسانيد وجمع الأسانيد، يحتاج إلى جمع الطرق والنظر فيها عند النسائي وغيره في المسانيد وغيرها، وبه ربما يتبين الشيء يمكن الحكم فيه به على هذه الرواية، ويمكن أن يُرى مثلاً هل هناك تتبع لهذه الرواية وبحثٌ لها وجمعٌ لطرقها مما يعين على الحكم عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (5082) والترمذي (3892) النسائي (7809) وهو في "مسند أحمد" (22664).
(2) في "مسند أحمد" (17299).
(3) عن ابْنَ عَابِسٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " يَا ابْنَ عَابِسٍ أَلَا أَدُلُّكَ - أَوْ قَالَ: - أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ" , أخرجه النسائي (5432) [قال الألباني]: صحيح.
(4) أخرجه الترمذي(3575), والنسائي(5428), وانظر صحيح الجامع: 4406 ,
(5) أخرجه النسائي في "المجتبى" 8/253، وفي "عمل اليوم والليلة" (889) وأحمد(17296) وأبو يعلى (1736) ، وابن خزيمة (534) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (124).