يقول السائل : هل يمكن حمل الانتخابات على الاقتراع لكون المترشحون متساوون في الكفاءة نسبيًا والذي يحكُم بالقرعة الشعب ليختار الأفضل وإن لم يحسن عمله ما دليل انتفاءه؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا القياس هذا فيه نظر, يعني ما يقع مثلًا على وجه طلب كلمة الناس والشعب بما يسمى الديمقراطية ونحو ذلك هذه إذا كان المراد على هذا الوجه, هذا طاغوت أكبر وهو جعل انتخابات الناس واختيار الناس هو الدين وهو المُشرّع مكان القرآن والسُنة, وإن كان المقصود اختيار أُناس يرشحون يعملون مثلًا هذه الأعمال, يعني الأعمال هذا أمر آخر, لكن إذا كان المقصود هو أن يختاروا إنسان يعمل لهم ما يريدون, ما يشاءون وأنهم بذلك هم الذين يعينون عليه الأحكام, فإن شاءوا قالوا الزنا حلال, الربا حلال؛ أي الشعب يحكم يحلل ويحرم هذا كفر أكبر, لكن هنالك أوجه من الانتخابات ونحو ذلك ربما يُدخل فيها أو يدخل فيها أُناس على وجه الإصلاح, ولا يكون قصدهم منها هو طلب التصويت على دين الله أو على أحكام الله, إنما قصده من ذلك هو دفع الشر والمشاكل مثل ما يحصل في بلاد المسلمين من بعض الدعاة وغيرهم ممن يريدون دفع الشر والفساد ومشاركتهم في هذا الشيء, من باب تخفيف المنكر, من باب تخفيف المسائل, هذا سائر على قاعدة المصالح والمفاسد ودائرٌ على قاعدة دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر, هذه قاعدة واسعة وكان الكلام فيها يطول لأهل العلم. ولهذا قد يكونون في بلد مثلًا هم كالمجبورين عليه ليس اختيارًا لهم, ولاشك أنه يعرض من الأحكام الأمور ربما هم يضطرون مثل هذا, وذكر العلماء أمثلة في هذا مثلًا أفتى كثيرٌ من أهل العلم في هذه البلاد على أنه يمتنع من مثل هذه الانتخابات في بعض المجالس ويُريد كما يُقال ينتخب شخصًا أو يريد شخصًا من أهل الخير والصلاح؛ لأن يكون سبب في تحصيل الخير ودفع الفساد, هذا إذا أمكن يكون من باب دفع الضرر الأكبر بارتكاب الضرر الأصغر, وأنه يعلم أنه مثل هذا لا يجوز مثل ما تقر الإنسان على المنكر من أجل أن تدفع منكرًا أشد منه, ليس معنى ذلك أنك تقول هذا يجوز لا, إنما الأمر دائر بين مفسدتين لا فكاك منهما فلا يمكن يُقال إن عليك أن تترك المفسدة الكُبرى تعمل, لا أنت الآن عليك أن تدفع المفاسد الكبرى أو تخفف المفاسد لا تتبعه, لكن تخففها فكون بعض هذه المجالس ونحو ذلك يكون فيها أُناس صالحون يرفعون صوت الحق ويتكلمون كلام أهل الإسلام ويدعون إلى الخير, ويجتهدون مثلًا في تخفيف الشر على أهل الإسلام, هذا لا بأس فيه, هذا لا بأس به من باب تخفيف الشر, ومن تأمل الشريعة وجد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام الذي ذكر شيخ الإسلام رحمه الله الذي قال أنه له أحكامًا وعادات وعوائد معلومة للملك في زمانه لا يمكن أن يتجاوزها يوسف عليه الصلاة والسلام, وكذلك النجاشي أسلم, والنبي أقره على مُلكه, أقره عليه الصلاة والسلام ولم يأمره على الهجرة ومعلوم أنه بين قوم كفار ولم يحملهم على الدين, لابد أن يسدد ويقارب, لابد أن يقر بعض الأمور لأجل دفع مفاسد وتحسين مصالح والنبي أقره, وكذلك النبي قال" إنك تأتي قوما أهل كتاب"(1) الحديث, فهذه الأمور مبنية على هذه القاعدة وهي در المفاسد أو تخفيف مفاسد, لكن نعلم أن الشرع في هذه الأمور الأصل وجوب تحكيم الكتاب والسُنة ليس هناك بديل عنهما وأن من اعتقد أن هناك مصدر آخر على تشريع الأصل وجوب تحكيم الكتاب والسنة, لا ليس هُناك بديل عنهما أنه من اعتقد أن هُناك مصدر آخر عن التشريع هذا ارتد عن الإسلام حينما يقول هذا ويقول له ويبدد هذا أن يُحلل له وأن يُحرّم وإنما هذا مصدرٌ من المصادر إذا ارتضى الشعب القرآن والسنة إذا يعني هذا من النصوص, إنما ما يتعلق بما سبق هو في أحوال خاصة المسلم يعتقد أنه يجب الحكم من الكتاب والسنة فيلجأ إلى هذه الأمور على وجه يخفف المفاسد أو يدفعها إن أمكن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: " إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمِ الَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ... الحديث
أخرجه البخاري (1395) ، ومسلم (19) (30) ،