يقول السائل : ذهبنا إلى صلاة الفريضة ورأيت في ساحة المسجد قبور يعني كانت قبل جدار المسجد وامتنعنا لوجود القبور في الساحة الخارجية للمسجد هل ما فعلته من حرج وإذا أدينا الصلاة لا تصح؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
نقول المسجد الذي فيه قبر هذا فيه تفصيل إن كان المسجد بني على القبر، يعني القبر أولاً وبني عليه المسجد فهذا مثل قبة وجدت على مسجد وليست مسجد فإن القبب تبنى على المساجد فلا تصح الصلاة فيها لأنه مسجد بني على القبر فلا تصح الصلاة فيه سواء كنت أمام القبر أو عن يمين القبر أو عن شمال القبر أو خلف القبر لأن هذا المسجد بني على قبر . والنبي عليه الصلاة والسلام قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(1) في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس(2) وعائشة قال: " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(3) في الصحيحين، وكذلك حديث جرير بن عبد الله البجلي " فإني أنهاكم عن ذلك ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد"(4). وفي صحيح مسلم ما هو أعظم وأشد وهو قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو مرثد الغنوي كناز بن الحصين رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ولا تجلسوا عليها"(5) لا تصلوا إلى القبور نهى عن الصلاة إلى القبور ولو كانت أمامك حتى ولو لم تقصد إذا علمت أن هذا موطن مكان قبر ولو لم يكن هذا المكان بني على القبر، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه تقوم الساعة على شرار الناس ومن يتخذ القبور مساجد." إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ومن يتخذون القبور مساجد"(6) وفي الصحيحين من حديث أم حبيبة وأم سلمة أنهما رضي الله عنهما ذكرتا للنبي عليه الصلاة والسلام قبة كانت في الحبشة وأنها فيها قبور قال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"(7) والأحاديث صحيحة في هذا وأنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد ولا يجوز البناء على القبور فإن هذا مما يكون سببًا لعبادتها والغلو فيها كما هو مشاهد فهذا هو الواجب على المسلم هو الحذر في ذلك. أما ما روي في الحديث" أن مسجد الخيف قبر فيه سبعون نبيًا"(8) فهذا الخبر لا يصح ، الخبر باطل إنما الذي صح في الخبر "أنه صلى فيه سبعون نبيًا"(9) هذا هو الثابت أما أنه قبر فيه فالخبر لا يصح ولا يثبت وكذلك ما جاء عن بعض السلف أنه بنا على القبر مسجد كلها أخبار باطلة لا تصح وكيف يفعلون ذلك والسنة الصريحة البينة تقضي بتحريم ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يحذر ويؤكد حتى في موته صلوات الله وسلامه عليه يخبر في ذلك فهذا كله يبين أن هذا أمر منكر وأنه لا يجوز أما قوله سبحانه وتعالى { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } [الكهف:21] كما يستدل به بعض أهل الباطل، هذا القول لا يصح، أولاً أن هذا من فعل أهل الغلبة وفعل أهل الغلبة يكون على غير وجه الحق { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } ليسوا أهل العلم، إنما وهذا كان فيمن كان قبلنا لكن مع ذلك هو ليس من فعل أهل الإسلام إنما من فعل أهل الغلبة فليس فيه دليل في هذا مع أن الأدلة الصريحة في السنة في هذا وهو أنه لا يجوز اتخاذ القبور مساجد. فإذا علم هذا فإن المسجد إذا بني على القبر فإنه لا تجوز الصلاة فيه ولا تصح الصلاة فيه، وإن كان القبر هو الذي أدخل في المسجد فهذا يجب نبش القبر، وبعض أهل العلم يقول: يكفي تسويته وهو ظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إما أن ينبش القبر وإما أن يسوى، أما إذا بني القبر على المسجد فإنه لابد يهدم القبر وهل يكفي نبش القبر هذا موضع خلاف الله أعلم. هل يكفي نبش القبر ويصح الصلاة فيه الله أعلم، ظاهر كلام أهل العلم أنه لا يكفي مجرد نبشه وإزالته فحالة بناء المسجد على القبر نبشه واجب لكن هل يكفي ويجزئ عن هدمه ظاهر كلام كثير من أهل العلم أنه لا يكفي، وفي بعض كلام شيخ الإسلام رحمه الله أنه يكفي نبشه، أما إذا أدخل القبر في المسجد في هذه الحالة إما أن ينبش القبر وهذا واضح وإما أن يسوى، ولذلك كان نبشه هو الواجب لكن لو علم أنه تلف وذهب ولم يبقى شيء فتسويته في هذه الحالة في حكم نبشه. هل تصح الصلاة فيه أو لا تصح؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم، ظاهر كلام أهل العلم أنها لا تصح الصلاة فيه لعموم الأدلة ومن أهل العلم من قال إنه تصح الصلاة فيه لكن لا يجعله أمامه وذلك أن هذا القبر داخل والمسجد حينما بني بني على التوحيد فلا يمكن أن يقال في هذه الحالة ما دام أنه بني على التوحيد أنه يمنع الناس منه فيحتاط في هذا ولا يجعل القبر أمامه. فإذا كان القبر في مؤخرة المسجد أو عن يمين المصلي أو عن شمال المصلي فلا بأس أما إذا كان أمامه فلا إلا أن يفصل بين المسجد وبين القبر ، كما لو كان هناك مقبرة أمام المسجد يعني مسجد بني ثم بعد ذلك كثرت القبور وخاصة أن الناس كانوا قديمًا وربما إلى الآن في بعض البلاد يجعلون المسجد قريب من المقبرة حتى يسهل الوصول إلى المقبرة وحمل الميت والإسراع به فربما تمتد المقبرة فتصل المسجد فإذا كانت خلفه فقد تصل إليه هذا لا يضر، وربما أيضًا يكثر الموتى ويحتاج إلى أن يدفن عن يمينه وعن شماله وقد يحتاج إلى أن يقبر أمامه فيكون المسجد بين القبور فهذا ما دام المسجد بني على التوحيد وهو سابق ففي هذه الحالة يحاط المسجد ويسوى ينبغي أن يفصل بين المسجد وبين القبر بسور فيجعل سور فاصل بينه وبين المسجد فتجعل مداخل للمسجد ويفصل بسور آخر غير سور المسجد هذا هو الواجب لقوله عليه الصلاة والسلام " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" كما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (437) ، ومسلم (530) (20) ،
(2)أخرجه البخاري رقم (435). ومسلم (531).
(3)أخرجه البخاري رقم (1330). ومسلم (529).
(4) أخرجه مسلم رقم (532).
(5) أخرجه مسلم رقم (972).
(6) أخرجه البخاري رقم (7067). ومسلم (2949).
(7) أخرجه البخاري رقم (1341). ومسلم (528).
(8)والحديث أخرجه الطبرانيُّ في معجمه الكبير 12/ 414، رقم 13525. وفي أخبار مكة للفاكهي رقم 2543، وفي إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري رقم 1108. وفي المطالب العالية لابن حجر رقم 1332. وفي كشف الأستار عن زوائد البزار لنور الدين الهيثمي رقم 1097، كلهم من طريق على إبراهيم بن طهمان عن منصور، وقد تفرد بالحديث إبراهيم بن طهمان، وليس له متابع على الحديث الذي رواه؛ لذلك قال البزار رحمه الله: تفرد به إبراهيمُ عن منصورٍ. أهـ. وإبراهيم بن طهمان من رجال الصحيحين، وقد وثقه الكثير من العلماء، إلا أنه تفرد عن الثقات بأشياءَ معضلات؛ فكان ممن يروي الغرائب، وقال الدارقطني: لا يحتجُّ به، وقال أيضًا: قال النيسابوري: قلت لمحمد بن يحيى (الذُّهْلي): إبراهيمُ بن طهمان، يُحتَجُّ بحديثه؟ قال: لا ؛ وعلي ذلك فالنفس لاتطمئن لصحة ما تفرد به إبراهيم بن طهمان،وانظر من تكلَّم فيه الدَّارقطني في كتاب السنن من الضعفاء والمتروكين والمجهولين لابن زريق ص 27 رقم 19.
(9) المشهور في الحديث: أن مسجد الخيف صلى فيه سبعون نبيًّا، وليس: قُبِرَ فيه سبعون نبيًّا؛ فعن محمد بن فضيلٍ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلَّى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا، منهم موسى، كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان، وهو محرمٌ على بعيرٍ من إبل شنوءة، مخطومٍ بخطام ليفٍ له ضفران)). أخرجه الطبراني في المعجم الكبير رقم 12283، والمخلصيات لأبي الطاهر المخلص رقم 1286، والأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي رقم 310، ومجمع الزوائد للهيثمي رقم 5351، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده حسن، حديث رقم 1736، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره، 2/ 8، رقم 1127.وقد رُوِي نحوه عن ابن عباس موقوفًا؛ فعن محمد بن إسحاق، عن الحسن بن مسلمٍ، عن مِقسَمٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنه قال: "لقد سلك فجَّ الرَّوحاء سبعون نبيًّا حجاجًا، عليهم ثياب الصوف، ولقد صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا"، وفيه محمد بن إسحاق مدلس، وقد عَنْعَنَ. المستشدرك على الصحيحين للحاكم رقم 4169، والبيهقي في السنن الكبرى رقم 9837، وسكت عنه الذهبي في التلخيص. ورُوِي نحوه عن أبي هريرة موقوفًا؛ فعن عبدالملك بن أبي سليمان، حدثني عطاء، عن أبي هريرة قال: "صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا، وبين حِرَاء وثَبِير سبعون نبيًّا. المستشدرك على الصحيحين للحاكم رقم 4169، والبيهقي في السنن الكبرى رقم 9837، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
ويستأنس لِما ذكرنا أن مجاهدًا راويَ حديث ابن عمر المرفوع خالف مرويَّه عن ابن عمر وقال: صلى في هذا المسجد خمسةٌ وسبعون نبيًّا؛ فعن عثمان بن ساجٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: أنه قال: "حجَّ خمسةٌ وسبعون نبيًّا، كلهم قد طاف بالبيت وصلى في مسجد منًى، فإن استطعتَ ألا تفوتَك الصلاة في مسجد منًى، فافعَل". أخبار مكة للأزرقي 1/ 69، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 240.