يقول السائل : إذا دخلت المسجد بعد سلام الإمام وقام أحد المأمومين ليتم ما فاته، هل يجوز الائتمام به في هذا الحالة؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
اقتداء المسبوق بالمسبوق، هذه مسألة فيها خلاف على ثلاثة أقوال:
القول الأول:ذهب جمع من أهل العلم من الأحناف إلى أنه لا يجوز اقتداء المسبوق بالمسبوق، وذلك أنه كان مأموم فلا ينتقل إلى الإمامة.
و القول الثاني: فصل المالكية رحمهم الله عليهم فقالوا: إن كان هذا المسبوق جاء بعد الفراغ من الصلاة، فوجد مسبوق قبله سُبق بركعة فأكثر، فإنه لا بأس أن يقتدي به.
والقول الثالث: في هذه المسألة للشافعية والحنابلة رحمهم الله عليهم هو جواز ذلك ( جواز أن يقتدي المسبوق بالمسبوق) والأظهر والله أعلم هو ما تقدم من التفصيل المنقول عن المالكية، وهو أنه إن كان المسبوقان جميعاً قد ائتما بإمام واحد، في هذه الحالة لا يقتدي أحد به، فلو جاء مثلاً مسبوق ووجد الناس قد فرغوا من ثلاث ركعات، ومسبوق فاتته أربع ركعات ومسبوق ثاني فاتته ثلاث ركعات, ومسبوق ثالث فاتته ركعتان, ومسبوق رابع فاته ركعة، فقام الجميع واحد يقضي أربع ركعات, وواحد يقضي ثلاث, وواحد يقضي اثنين, وواحد يقضي واحدة، هذا لا يقتدي أحدهم بالآخر؛ لأنهما ائتما بإمام واحد وانصرفا وقاما جميعاً. وثبت في الصحيحين(1) أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه المغيرة بن شعبة وقد أمَّه عبد الرحمن بن عوف، وكان قد صلى ركعة فقام النبي عليه الصلاة والسلام والمغيرة كل منهم يقضي ركعة، ولم يأتم المغيرة بالنبي عليه الصلاة والسلام، كيف وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكذلك كل مسبوق بعده من باب أولى أنه لا يكون إماماً.
أما الصورة الثانية وهو ما إذا جاء دخل المسجد أو وجد جماعة قد صلوا، ووجد مسبوقاً يقضي صلاته فدخل مع أحدهم فلا يظهر فيه شيء فيما يظهر والله أعلم، وذلك أن هذا المسبوق قد يعني استقل الآن، وكان إماماً منفرداً مسبوقاً منفرداً الآن، وهذا المسبوق الثاني لم يأتم بالإمام إنما جاء بعد الفراغ، فلا بأس أن ينتقل المسبوق أن يكون إماماً ودل يدل عليه من حيث الجملة، ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قام يصلي وهو منفرد، ثم جاء ابن عباس وصلى معه فكان عن يساره فأداره وجعله عن يمينه(2)، ووجه للإلحاق أن غاية المسبوق أن يكون منفرداً، يكون منفرداً كما أن النبي عليه الصلاة والسلام قام منفرداً، ثم دخل معه ابن عباس ولم ينكر عليه، وكذلك أيضاً ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس وهو أوضح وأصرح في الدلالة، أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في رمضان في بيته، فجاء أنس وصف بجنبه ثم جاء آخر فصف، ثم حتى كانوا جماعة فلما حس بهم النبي عليه الصلاة والسلام خفف(3)، ثم صلى صلاة طويلة وفيه أنه أم بهم عليه الصلاة والسلام، وكان في الأول منفرد ثم كان إمام وعلى هذا لا بأس بذلك. وقد يدخل في عموم الأدلة بالأمر بالجماعة، ويدخل مع الإمام مع هذا المنفرد فيكونان جماعة. وكذلك ثبت أيضاً في حديث أبى سعيد الخدري، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: أرادوا يتجروا على هذا فيصلي معه(4)، فأمر بأن يصلى مع المنفرد، يتجر على هذا فيصلي معه، فإذا كان يشرع أن يكون المنفرد جماعة، وأن يكون المنضم إليه ممن قد صلى وفرغ من الصلاة يتجر، وأن من صلى ووجد منفرداً يشرع، أن ينضم معه حتى يكون جماعة. فمن لم يكن قد صلى من باب أولى أنه يشرع أن يصلي حتى يكون جماعة. وإن كان هناك فرق من جهة أن هذا الذي صلى ابتدأ الصلاة، ولم يكن مسبوق لكن من جهة المعنى وهو تحصيل الجماعة، أراد يتجر هذا فيصلي معه، فمن تأمل المعنى وجد أن الاستدلال ظاهر في قوله أرادوا يتجروا على هذا، فكما أن هذا منفرد وإن كان ابتدأ الصلاة وحدة فكذلك هذا المنفرد وإن كان في بعض الصلاة ليس فيها جميعاً، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مختصراً دون ذكر قصة صلاة عبد الرحمن بن عوف البخاري (182)، ومسلم (274) (75)، والنسائي (121)، وابن ماجه (545)، وأخرجه بذكر قصة صلاة عبد الرحمن بن عوف أبو داود (149)، والنسائي (112).
(2) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا -، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، فَأَتَاهُ المُنَادِي يَأْذَنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» البخاري (138)، ومسلم (763).
(3) وأخرجه مسلم (1104) (59).
(4) أخرجه أبو داود (574) والترمذي (218) وقال: حديث حسن.
وهو في "مسند أحمد" (11019) و (11613)، و"صحيح ابن حبان" (2397 - 2399).