مصدر الفتوى :
فتاوى المسجد الحرام - الحج 1435
السؤال :

يقول السائل : هل تسقط صلاة الشفع والوتر وركعتا الفجر في منى ومزدلفة وفي السفر؟

الإجابة

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ; صلاة الوتر وركعتا الفجر مشروعة في كل ليلة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وثبت أنه أمر به وثبت من فعله، وظاهر كلام أهل العلم أنها مشروعة في كل ليلة ولم يستثنوا يعني هذه الليلة وينظر يمكن بعض أهل العلم يقول أنها غير مشروعة الله أعلم لكن ظاهر الأدلة أنها مشروعة والذين قالوا إن الوتر لا يشرع هذه الليلة استدلوا بحديث جابر رضي الله عنه (1) حديث جابر فيه أنه عليه الصلاة والسلام لما وصل إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء قال جابر: ولم يصلي بينهما شيئًا ثم نام حتى أصبح ثم ذهب إلى المشعر الحرام فوقف عنده، قال: نام حتى أصبح لما تبين له الفجر صلى الفجر فلم يذكر جابر رضي الله عنه لا الوتر ولا ركعتي الفجر فهل يقال إنها لا تصلى الوتر وركعتا الفجر لأنها لم تذكر هذا محتمل وأنه لما تبين الفجر صلى لكن هذا مثل ما جاء في حديث ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام بادر بها في أول وقتها(2) وأنه عليه الصلاة والسلام لم يتأخر كما كان يتأخر في أحواله الأخرى في السفر أو في الحضر كان يتأخر ينتظر حتى يجتمع الناس أما في تلك الليلة في صباحها لأنه في أمر الحج فبدأ بما هو مشتغلٌ به عليه الصلاة والسلام وليس معنى ذلك والله أعلم أنه لم يصلي ركعتي الفجر كما قال ابن مسعود: "صلاتان حولتا عن وقتهما"(3) وذكر منهما صلاة الفجر في صبح يوم النحر والمعنى حولت عن وقتها المعتاد الذي كان النبي يصلي فيه عليه الصلاة والسلام وإلا هو صلى أول ما تبين له الفجر لا فعله عليه الصلاة والسلام ولا في فعل ابن مسعود كذلك أيضًا حديث جابر يمكن أن يقال أنه عليه الصلاة والسلام لم يصلي الوتر الذي كان يصليه عادة حيث كان من عادته يصلي ويطيل الصلاة إذا انتصف الليل قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ صلوات الله وسلامه عليه أما هذه الليلة لما كان غالب الليل نامه صلوات الله وسلامه عليه لأنه قد قدم من عرفة وعمل أعمال عظيمة وكان يعلم الناس صلوات الله وسلامه عليه وكذلك يوم النحر فيه أعمال عظيمة والناس يأتمون به فترك ربما بعض ما كان يعمله عليه الصلاة والسلام ليستعد ويتهيأ وينشط لما هو فيه ثم المسافر يكتب له عماه الذي كان يعمله إلا أن الوتر يصلى في حال الحضر وفي حال السفر فيمكن والله أعلم أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة خفيفة وهو صلاة الوتر صلاة خفيفة فإما أن جابر لخفتها وقلتها بالنسبة لصلاته المعتادة لم يرها مثل ما أن الحجة، حجته عليه الصلاة والسلام أخذت من مجموع الأحاديث كصفة صلاته أو أنه صلى صلاة خفيفة فلم ينقل لأنها على خلاف المعتاد من صلاته فلهذا قال العلماء الأصل وكثير من أهل العلم قال مشروعية الصلاة وأنها سنة لعموم الأدلة الواردة في هذا الباب وهذا الدليل محتمل أنه صلاها عليه الصلاة والسلام فليس ببين ولهذا لم يجزم أهل العلم إنما قالوا لم يذكرها جابر وعدم الذكر لا يدل على أنه لم يصلها عليه الصلاة والسلام. أيضًا وجهٌ آخر لو كانت لا تشرع لبينها عليه الصلاة والسلام لأنها ليلة تخص من بين سائر الليالي فلو كان لا تشرع تلك الليلة لبين هذا عليه الصلاة والسلام للناس وقال: إن هذا أمرٌ خاص بي أو قال إن هذا أمرٌ خاصٌ به لأنه مشغولٌ بما هو فيه فتركه أما غيره من الناس فليس كذلك فلما يعني صار الأمر دائرًا بين هذا وهذا وسكت عن البيان صلوات الله وسلامه عليه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فنبقى عن الأصل وهو مشروعية الصلاة على القاعدة في سائر المسائل التي يحصل فيها ولهذا صلاة الضحى النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يداوم عليها ولم يكن يصليها دائمًا ومع ذلك لا نقول إنها لا تشرع أحيانًا إنها تصلى دائمًا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)أخرجه مسلم رقم (1218). (2) أخرجه البخاري رقم (504)، ومسلم في الإيمان، (85)، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. (3) قال البخاري: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلاَتَيْنِ كُلَّ صَلاَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا، فِي هَذَا المَكَانِ، المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، فَلاَ يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلاَةَ الفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ»، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي: أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ . أخرجه البخاري رقم (1683). وقال البخاري: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَيْنَا المُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ أُرَى فَأَذَّنَ وَأَقَامَ - قَالَ عَمْرٌو: لاَ أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ -، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الفَجْرُ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ، فِي هَذَا المَكَانِ مِنْ هَذَا اليَوْمِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " هُمَا صَلاَتَانِ تُحَوَّلاَنِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلاَةُ المَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ المُزْدَلِفَةَ، وَالفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الفَجْرُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " , أخرجه البخاري رقم (1675). فالذي يظهر أن قوله: "هُمَا صَلاَتَانِ تُحَوَّلاَنِ عَنْ وَقْتِهِمَا"هي من كلام ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.


التعليقات