لقد نقص عدد المصلين في المساجد، فبماذا تنصح الناس في ذلك؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد ;
لا شك أن تأخر الناس عن المساجد هذه واقعه منذ زمن بعيد، وهو التأخر عن الصلاة وعن الجماعة، إما تأخر عن الصفوف الأول، أو تأخر عن الصلاة من أولها، أو تأخر عن الجماعة، أي المعنى أن تفوته الجماعة الأولى، فلا يدرك إلا جماعًة أخرى، أو ربما لا يدرك ولا جماعة، فيصلي وحده، وخناك تأخرٌ أشد، وهو كونه أنه لا يقصد المسجد فيصلي في بيته، وهذا منكرٌ عظيم، بل ذهب بعض أهل العلم، وهو اختيار ابن أبي موسى، وابن عقيل، و في بعض كلام شيخ الإسلام رحمه الله إشارةٌ إليه، وهو أنه لا تصح صلاته إذا صلى منفردًا، واستدلوا بأدلة قوية في هذا الباب، تدل على هذا المعنى، وإن كان الجمهور على خلاف، وأقبح من ذلك هو تأخير الصلاة عن وقتها، وهذا منكر عظيم، تعمد تأخيرها حتى خرج وقتها، فذهب الجمع من أهل العلم إلى كفر تاركها، إذا كان عالمًا، عامدًا، عالم بالحكم، والمشروع هو المبادرة إلى الصلاة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِى التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، والذي نفسي بيده لو أحدهم يجد عرقًا سمينًا، أو مرماتين حسنتين لشهدها»." (1)"
المرماتين الحسنتين اختلف فيهما، لكن الشأن أنه لو بوعد بشيء من أمور الدنيا، لسارع وهو قد وعد بهذا الأجر العظيم،وقال:«أتموا الصف الأول فالأول» (2).
فالمشروع هو المبادرة إلى الصفوف، المبادرة إلى الصلاة، وإجابة المؤذن، والسعي بطمأنينة،«فامشوا وعليكم السكينة»،كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة (3). ومعناه من حديث أنس، «فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» (4).
المعنى أن عليك أن تبادر، لكن لو عاقك عائقٌ فلا تسرع، لأن تحصيل المعاني في الصلاة، بأن تحضر بنفسٍ مطمئنة، أولى من الاستعجال، هذا هو المشروع، وعلى المسلم أن يناصح من حوله من إخوانه، من قراباته، من جيرانه، بهذا ينتشر الخير، والإمام أحمد رحمه الله أشار في رسالته في الصلاة إلى المناصحة، وأشار إلى أنه رأى أقوامًا عليهم تفريطٌ في أمر الصلاة، وشدد في هذا.
ومن أسباب تأخر المصلين، ربما تدخل المسجد وقريبًا من إقامة الصلاة، والمسجد في وسط حي ممتلئ بالسكان، فلا تجد فيه إلا الرجل أو الرجلان، ونحو ذلك، وسبب ذلك هو التأخر في النصيحة، وعدم المناصحة، نسأل الله أن يعيننا وإياكم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير (2689) ،وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة (2455).
(15) رواه مسلم في الصلاة رقم (430).
(16) أخرجه البخاري رقم (609) ومسلم رقم (603).
(17) أخرجه أحمد "3/106،رقم ( 188، 229، 243)، وأبو يعلى "6/436"، رقم "3814"،
من طرق عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فليمش على هينته فليصل ما أدرك، وليقض ما سبقه" قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" "2/34": روا الطبراني في الأوسط ورجاله موثوقون، وله طريق رجالها رجال الصحيح إلا أنه قال: قال حماد: لا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في التلخيص الحبير (2/70).