يقول السائل: ما تقولون في صلاة التسابيح، فقد قال بعضهم بجوازها وقال بعضهم بحرمتها، وهل هذه المسألة من المسائل الخاضعة للاجتهاد والنظر؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وصار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فصلاة التسابيح ورد فيها أحاديث عن النبي- عليه الصلاة والسلام- من رواية عبد الله بن عباس عند أبي داود، وكذلك من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود، ومن حديث أبي رافع عند الترمذي، وورد فيها أخبار أخرى.
وأكثر أهل العلم على عدم ثبوتها وضعفها لضعف أسانيدها والغرابة في لفظها، والحديث جاء عن ابن عباس أن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال:" يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّاهُ، أَلَا أُعْطِيكَ، أَلَا أَمْنَحُكَ، أَلَا أَحْبُوكَ.. ثم ذكر الحديث وقال خصال تعملها فذكر له:" أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ قُلْتَ وَأَنْتَ قَائِمٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُ، وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تَفْعَلُ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ[1]" ثلاثمائة تسبيحة وهذا الخبر من أهل العلم من حكم بأنه موضوع، ومنهم من قال أنه ضعيف، ومنهم من صححه.
والأقرب والله أعلم عدم ثبوته، أما الجزم بأنه موضوع هذا موضع نظر لكن الخبر لا شك فيه غرابة في ألفاظه عند بعض أهل العلم نكارة؛ لأن هذه الصفة صفة غريبة على الصلوات المعروفة عنه- عليه الصلاة والسلام- ومن أهل العلم من استحبه حتى عزوه إلى جمهور العلماء قيل مالك وأبي حنيفة والشافعي. ومن أهل العلم أن مالك والشافعي وأبا حنيفة لم يطلعوا على هذا وهذا ذكره أبو العباس- رحمه الله- إن مالكاً والشافعي وأبا حنيفة لم يسمعوا بها[2].
والإمام أحمد- رحمه الله- جاء عنه في هذا ما يدل على النهي عنها وكراهتها، وفي المذهب قول آخر إما بإباحتها أو باستحبابها، وذكرت الترمذي عن ابن المبارك[3] قولاً في استحبابها على صفة تختلف عن الصفة المنقولة.
والأقرب والله أعلم عدم مشروعية هذه الصلاة؛ لإنها فيها غرابة من جهة ما فيها من التسابيح غير المعهودة وغير المعروفة في الصلاة المفروضة والصلاة النافلة، ومثل هذا عند بعض أهل العلم يعد نكارة ولو كان السند مستقيمًا، كيف وأسانيدها فيها ضعف؟ إنما الذي جاء في الأخبار كثرة التسبيح في الاستفتاح، ويمكن والله أعلم أن هذا وهم وقع من بعض الرواة من جهة التسابيح الكثيرة التي تكون في صلاة الليل، فقد جاء في أخبار صحيحة عنه- عليه الصلاة والسلام- كثرة التسبيح في صلاة الليل في استفتاحها، ومما جاء أنه- عليه الصلاة والسلام- قال لبعض النساء أم هانئ أو غير أم هانئ أنه قال: "أنها إذا كبرت سبحي الله عشراً، واحمدي الله عشراً، وكبري الله عشرًا ، ثم سلي ما شئتِ[4]" وجاء في الحديث الآخر أنه- عليه الصلاة والسلام- استفتح صلاته "كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ عَشْرًا، وَحَمِدَ اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبَّحَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا،وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[5]" والحديث جاء بألفاظ وهو جيد من حيث الجملة فهذه أعداد من التسبيحات والذكر في استفتاح الصلاة. فيمكن والله أعلم أن هذا وهم وقع من بعض الرواة في رواية هذا الخبر وهو انتقال هذه التسابيح التي في استفتاح الصلاة عند الدخول فيها في توزيعه على الصلاة في ركوعها، في قيامها، وركوعها، وسجودها.
وهذا كما تقدم ثابت وله شواهد من جهة مشروعية الثناء عليه- سبحانه وتعالى- عند الدخول في الصلاة بين التكبير والقراءة، أما أن يكون تسبيح وثناء بعد القراءة وقبل الركوع ثم بعده هذا فيه نظر؛ لإنه بعدما يقرأ القرآن يثني عليه- سبحانه وتعالى- ويسبحه ويقول دعاء الاستفتاح ثم يقرأ القرآن الفاتحة ومع معها، فالمشروع أن يكبر فيثني عليه- سبحانه وتعالى- فإن القيام يشرع فيه بعد التسبيح أو دعاء الاستفتاح قراءة القرآن في حال القيام، أما كونه يشرع في قبل الركوع وبعد القراءة هذا لا شاهد له؛ ولذا أمر- عليه الصلاة والسلام- نهى عن قراءة القرآن وقال:" فَأَمَّا الرُّكُوعُ: فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ"[6]، فتعظيمه- سبحانه وتعالى- بغير القرآن يكون في الركوع، أما أن يكون قبل الركوع حال القيام بعد القراءة وبعد الفراغ منها هذا لم يعرف في صلاته النافلة- عليه الصلاة والسلام-. صلاة الفريضة هذا مقطوع به لا إشكال لكن حتى في صلاة النافلة.
ومن القواعدة المقررة عند أهل العلم أيضاً إن ما ثبت في النافلة أنه يثبت في غيرها[7]، فقد يقول قائل: إذا ثبت أنه- عليه الصلاة والسلام- علمه العباس فيشرع هذا أيضاً في سائر الصلوات النوافل أن يقال، ومثل هذا فيه نظر. وكون النبي- عليه الصلاة والسلام- قال فعلها مرة لا ينفي أن يكون جنس الذكر هذا يشرع، مثلاً بعد الرفع من السجود وكذلك بعد الانتهاء من القراءة.
وأهل العلم فيما يظهر والله أعلم إنما ذكرها بعضهم أو قاله في صلاة التسبيح خاصة. ومادام أنه لم يدل من هذا الطريق فالأظهر هو عدم ثبوتها كما تقدم.