يقول السائل : نريد نصيحة لمن يخالف الناس في الصلاة من ناحية الإلصاق في الأرجل.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
المشروع للمصلي هو: الصف، وعدم ترك فرج، هذا هو المشروع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "ألا تصفُّونَ كما تصُفُّ الملائِكةُ عندَ ربِّهم؟ قالوا: وَكيفَ تصفُّ الملائِكةُ عندَ ربِّهم؟ قالَ: يُتمُّونَ الصَّفَّ الأوَّلَ ثمَّ يتراصُّونَ في الصَّفّ" (1) وقال في حديث عمر: "أَقيموا الصفوفَ وحاذُوا بالمناكبِ وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينوا بأيدي إخوانِكم، ولا تذَرُوا فُرُجاتٍ للشيطانِ، ومن وصل صفًّا وصلَهُ اللهُ، ومن قطع صفًّا قطعَه اللهُ"(2) صححه الألباني، وقال: "أتمُّوا الصَّفَّ الأوَّلَ ثمَّ الَّذي يليهِ، وإن كانَ نقصٌ فليَكن في الصَّفِّ المؤخَّرِ"(3)، وقال: "فإني لأراكم من وراءِ ظَهري"(4) ، وقال الراوي: "وكان أحدُنا يَلزَقُ مَنكِبَه بمَنكِبِ صاحبِه، وقدمَه بقدمِه"(5) صحيح البخاري، فهذا الحديث فيه إشارة لعدم ترك الفرج بين المصلين، هذا هو الواجب، ألا تترك فرجة بينك وبين المصلي، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أمر بسد الخلل وسد الفرج، وكان ينظر في الصفوف: "حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صدرُه من الصفّ،ِ فقال: عبادِ اللهِ! لتسوُّن صفوفَكم أو ليخالفنَّ اللهُ بين وجوهِكم"(6).
وكان كما في حديث البراء عند أبي داود،"كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يتخلَّلُ الصَّفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ"(7) صححه الألباني، وكان عمر رضي الله عنه له من يسوي الصفوف، فإذا أخبره أنا الناس قد تمت صفوفهم كبر رضي الله عنه، والأحاديث في هذا كثيرة. إذاً المقصود هو: التراص، وعدم ترك الخلل، أما المضايقة التي يحصل بها إزعاج هذا غير مشروع، المقصود هو أن تقرب منه، والظاهر من فعل الصحابة في قولهم كما قال أنس: "وكان أحدُنا يَلزَقُ مَنكِبَه بمَنكِبِ صاحبِه، وقدمَه بقدمِه" لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "فإني لأراكم من وراءِ ظَهري" ، فالمعنى أنهم كانوا لا يتركون فرجة، ولهذا ذكر أيضاً النعمان بن بشير رضي الله عنه: "قال: فرأيتُ الرجلَ يلزَقُ مَنكبَه بمنكبِ صاحبِه، وركبتُه بركبةِ صاحبِه، وكعبَه بكعبِه" (8) صححه الألباني، وفي حديث أنس: "وكتفه بكتفه"، وهذا قد لا يتأتى، فظهر أن المعنى هو عدم ترك فرجات، لأنه ربما مع الإلصاق الشديد يشغل المصلي، ولا يظهر والله أعلم أن هذا من الأمر الذي هو متعين، ولم يأتي أن النبي أمرهم بذلك، إنما قال: "أَقيموا الصفوفَ وحاذُوا بالمناكبِ وسُدُّوا الخَلَلَ"(9). صححه الألباني، أمر بسد الخلل، سد الخلل يحصل بعدم وجود فرجة، إنما هم –رضي الله عنهم- ذكروا هذا على سبيل بيان تمام سد الفرج، والتلاصق الذي لا يمكن بينه أحد، بين هذا المصلي وهذا المصلي.
أما حينما يكون على وجه يشغل المصلي، يقدم قدمه أو يؤخر قدمه أو بعضهم يفرج يمناه ويسراه، فيكون منفرجاً، هذا غير مشروع، الانفراج غير مشروع ومخالف، يعني أنت حينما مثلاً ترى غيرك لم يقرب لا يشرع في حقك أن تفرج، لا، هو الذي يشرع له أن يقترب، أما أن تفرج تركت سنة، هو ترك سنة، ولهذا ما قال النبي: "اقربوا"، قال: "ولِينُوا في أيدي إخوانِكُم"(10) صححه الألباني، فأنت عليك إذا كان بعيد امسك بيده أو بثوبه ومره أن يقرب، لان لك فالحمدلله، لم يلن فأنت أمرته، لا يشرع أن تفرج، هذا خلاف هيئة الصلاة، ثم تفريجك تعدٍ للموضع، ربما يأتي إنسان يرى هذه الفرجة فيسدها، وأنت قد فرجت بين قدميك، وهيئة غير مناسبة بحال المصلي، فلست مأموراً بسد فرجة في غير مكانك، وعلى غير سمتك، ولهذا في نفس الحديث: "وحاذُوا بينَ مَناكبِكُم". ولهذا العقب يكون إلى جهة الكعب، حتى لا تتقدم ولا تتأخر، ويكون وزن الصف بأن يكون الساق مقابل للساق، على سمت الساق، والركبة على سمت الركبة، ثم أيضاً حينما يمد قدمه أو يفرج لا يحصل التصاف، فأنت إذا لم يسد الفرجة فالحمد لله، ثم أيضاً لا يلزمك أن تلصق، ما دام هو لا يريد أن يؤدي هذه السنة، فأنت لا تخل بقيامك، حتى ما يحصل المقصود ويغير هيئتك، والظاهر والله أعلم من الأمر بسد الخلل: هو ألا يكون هناك فرجة بين الصفوف، أما حينما يكون تقارب شديد وإلصاق يشغل المصلي، هذا يحرك قدمه وهذا يحرك قدمه، فربما بعضهم يكون طوال الصلاة وهو ينظر إلى قدمه ويرقب ما بجواره، لو تحرك دنا منه، ويكون مشغولاً طول صلاته، فينشغل عن المقصود ولب الصلاة والإقبال عليها، فهذه أمور ينبغي مراعاتها، ويظهر والله أعلم أن المقصود من التراص هو التقارب الذي لا يحصل فرجة، مثل ما قال: "وقارِبوا بينَها"(11) صححه الألباني، قال: "ولا تذَرُوا فُرُجاتٍ للشيطانِ"(12) صححه الألباني، فدل على أنه إذا سد الفرجة حصل المقصود، ولله الحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم (430)،
(2) أخرجه أبو داود (666) والنسائي في "الكبرى" (895) وفي"مسند أحمد" (5724).
(3) أخرجه النسائي في "الكبرى" (894) وفي "مسند أحمد" (12352)، و"صحيح ابن حبان" (2155).
(4) أخرجه البخاري (418)، ومسلم (423).
(5) حديث أنس عند البخاري (725)،
(6) البخاري (717)، ومسلم (436) (127)،
(7) أخرجه أبو داود (664) النسائي في "الكبرى"(887).
(8) أخرجه أبو داود (662) وفي "مسند أحمد" (18430) وعلقه البخاري في"صحيحه" مختصراً قبل الحديث (725) فقال: وقال النعمان ابن بشير: رأيتُ الرجلَ منا يلزق كعبه بكعب صاحبه.
(9) أخرجه أبو داود (666) النسائي في "الكبرى" (895) وفي"مسند أحمد" (5724).
(10) وأخرجه أبو داود (666) النسائي في "الكبرى" (895) في"مسند أحمد" (5724).
(11) أخرجه النسائى في "الكبرى" (891) وهو فى "مسند أحمد" (13735).
(12) أخرجه أبو داود (666) النسائي في "الكبرى" (895) في"مسند أحمد" (5724).