يقول السائل : هل يصح رفع اليدين مع كل تكبيرة في صلاة الجنازة أم نكتفي بالتكبيرة مع الركعة الأولى؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الصحيح هو قول أحمد والشافعي – رحمه الله – ،خلافًا لإبي حنيفة، ومالك وأنك ترفع اليدين في كل تكبيرة؛ لما صح عن ابن عباس عند سعيد بن منصور،(1) وأيضا لما صح عن ابن عمر عند عبد الرجاء(2)، وكذلك ذكر البخاري -رحمه الله- معلقا،(3) وأنه كان يرفع يديه في الجنازة ثم أيضا جاء مرفوع في رواية عمر بن شبه بن زيد النميري أو زيد -رحمه الله- حافظ كبير توفي سنة 246 أو 261ه ذكر حديث ابن عمر مرفوع، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع اليدين عند كل تكبيرة(4) والأكثر رووه موقوفا لكن رفعه عمر بن شبه الثقة، ويقول شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في تعلقيه على فتح الباري، أنه ثقة وزيادات الثقة مقبولة، وسواء ثبتت عن الزيادة أو كانت موقوفة فهي حجة فعل الصحابي، فإنه عند جمهور العلماء حجة، فكيف إذا اجتمع صحابيان ابن عباس، وابن عمر وهما يفعلان هذا، هذا في الغالب يكون في الجنائز المشهودة، والصحابة يأمرون، ولم ينقل أن أحد أنكر عليهم، وهذا من الفعل الذي ظهر وانتشر وسكت سائر الصحابة عن هذا، فدل على أن هذا هو الأفضل، ثم من جهة المعنى أن القائم يكبر ويرفع يديه، ولهذا في تكبيرة الإحرام ترفع يديك كذلك حينما تريد الركوع، وترفع من الركوع لما نزلت إلى السجود ما ترفع يديك، ورفعت من السجود ما ترفع يديك، فالرفع مختص في حال الرفع أو في القيام، وما قارب حال القيام التحريمة أو حال القيام عند إراد الركوع أو حال الفرع من الركوع لإرادة الإعتدال، فكذلك أيضا التكبير الجنازة هو من هذا الباب، وهذا الأظهر.
جاء حديث: ((رفع في أول تكبيرة ولم يعد)) (5) والحديث هذا ضعيف، واحتجاج بعضهم به، وتأيده بأثر لا يثبت فالصواب هو ما تقدم، وهو قول أحمد والشافعي -رحمة الله عليهم-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الرزاق في " مصنفه " (3/470(
(2)ابن أبي شيبة ، والبخاري في " رفع اليدين " ، وابن المنذر في " الأوسط " ، والبيهقي في " السنن الكبري " ،
(3) البخاري " في صحيحه " معلقاً بصيغة الجزم انظر فتح (3/226(.
(4) أخرجه البخاري (735) ومسلم (390).
(5)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، وَوَضَعَ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى". هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
وقد ورد في "علل" الدارقطني 5/171 بلفظ: فرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لم يعد، قال الدارقطني: وإسناده صحيح، وفيه لفظة ليست بمحفوظة ذكرها أبو حذيفة في حديثه عن الثوري، وهي قوله: ثم لم يعد.
وروى مالك (108) قَالَ مُحَمَّدٌ , أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةِ افْتِتَاحِ الصَّلاةِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ».