يقول السائل : هل البيت في الجنة يبنى إذا أتمت الصلاة طول العمر اثنى عشر ركعة سنة أم أنه يبنى لكل يوم وحده فيه اثنى عشر ركعة في دونه؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
يقول هل في قوله عليه الصلاة والسلام: (من صلى لله في يومٍ وليلة ثنتي عشر ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة)() رواه مسلم (728). هل الله يبني له في كل ليلة بيت أم أنه بيت واحد يبنى لكل من حافظ على هذه السنن ثنتي عشر بعد كل صلاة لها راتبة أو قبلها؟ وكلام أهل العلم أن ما يبنى هو بيتٌ واحد والله أعلم بصفة هذا البيت, لكن ما في الجنة يفوق التصور والتخيل في قصور الجنة وما يبنى بها, وهذا يتبين بالنظر في الحقيقة في الروايات, فقد رواه مسلم رحمه الله من طرق منها رواية داود بن أبي هند عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة ابن أبي سفيان عن أم حبيبة وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى لله في اليوم اثني عشر ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة) وقد رواه مسلم عن داود بن أبي هند من طريقين (في يومٍ وليلة) وفي لفظٍ (في يوم) من رواية داود بن أبي هند القشيري, وفي لفظٍ (سوى الفريضة) (2) ثم رواه من طريقين آخرين عن شعبة برواية شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة عن أم حبيبة ( من صلى لله كل يومٍ وليلة) ثم أخرجه أيضًا من طريقٍ آخر إلى شعبة وفيه أيضًا قال: (كل يومٍ وليلة), والأظهر والله أعلم أن يقال إن الرواية الأولى المطلقة تحمل على الرواية الثانية المقيدة, وقوله في كل يومٍ وليلة إذ لا يترك لأن هذه زيادةٌ في المعنى ولا ينبغي أن تهمل هذه الزيادة وهي قوله في كلِ يومٍ وليلة؛ لأننا إذا أخذنا بالوراية الثانية فإننا نعمل برواية الأولى ويكون العمل بجميع الروايات, وإذا أخذنا بالرواية الأولى أهدرنا في الرواية الثانية فتكون الزيادة في المبنى ونقص في المعنى من جهة عدم التقييد, والقاعدة في مثل هذا أن الرواية التي يتكون مقيدةً ويكون فيها زيادة في المعنى أولى بالتقديم على الرواية الأخرى ولا اختلاف في هذا وهذا واقع في الروايات, ويحتمل والله أعلم يقال: إن الرواية واحدة وأنه لا إطلاق بأنها رواية مقيدة؛ وذلك أن الرواية التي جاءت أن من صلى لله كل يومٍ وليلة من طريقين عن شعبة عن النعمان بن سالم كما تقدم ورواية شعبة أتقن شعبة الإمام وشعبة إذا جاء بسندٍ فخذ به وشد يديك به, والطريق الأولى والطريقان اللذان قبله قبل هذين الطريقين عند مسلم برواية داود بن أبي هند القشيري وهو وإن كان ثقة ثبت لكن ليس في درجة شعبة رحمه الله, حتى قال أحمد رحمه الله إن له اضطراب وذكر ابن حبان أيضًا أنه يهن في الشيء لكن المعتمد عند جمهور أهل حديث الأئمة هو أنه ثقة ثبت رحمه الله, لكن حين يكون الكلام في باب الترجيح والنظر فإن لمثل هذا اعتبار في باب الترجيح خاصة إذا كان الترجيح من جهة السند له مرجحٌ من جهة المعنى وهو ما تقدم في قوله في الرواية في كل يومٍ وليلة وأن زيادة مبنى دلت على زيادة في المعنى, وهذا أقرب والله أعلم, ثم أيضًا الرواية الأولى رواية داود بن أبي هند قد يقال هي تدل على هذا المعنى من جهة أن هذه الرواتب غير الفرائض, وأنها تابعة للفرائض والفرائض تكون في كل يومٍ وليلة وأنها يجب أن يؤدي هذه الفرائض في كل يوم على سبيل الوجود, كذلك أيضًا هذه السنة يشرع أن يؤديها على سبيل الاستحباب المتأكد في كل يومٍ وليلة؛ لأنه ربط هذه السنن بهذه الفرائض فتكون تابعةً لها قبلها او بعدها فكما أن الفرائض في كل يومٍ وليلة كذلك هذه السنة في كل يومٍ وليلة, ويدل له أيضًا رواية من رواية يشهد لهذا رواية عائشة عن الترمذي وابن ماجة من رواية المغيرة بن زياد الموصلي وهو إن كان له وهن لكن إذا كان في باب الترجيح أو في باب الاعتضاد والاستشهاد يستشهد لأنه يعلم أن مثل هذا اللفظ يكون محفوظًا وقوله من رواية عائشة (من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في يومٍ وليلة). (3) والمثابرة تكون بمعنى المحافظة, فهذا اللفظ كما تقدم شاهد للقول الذي يدل على أن المراد بذلك أن يصليها في كل يومٍ وليلة وأن بناء القصر لمن كان محافظًا عليها, أيضًا رواية لا بأس بها عند النسائي وأحمد أنه قال: ما معناه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صلى اللية ثنتي عشرة ركعة في الليل والنهار) أيضًا إطلاق في الليل والنهار يشمل كل ليلة وكل نهار في جميع عمره, ثم يدل له أن الرواية التي جاءت في كل يومٍ وليلة جاءت من رواية عند الترمذي بسندٍ ضعيف من رواية ابن مؤمل بن إسماعيل وكذلك أيضًا جاءت بروايات أخرى بغير هذا اللفظ مما يدل على أن هذه الرواية ليست قويه هذا إذا قيل إنها قد تخالف الرواية المقيدة, وسبق أن رواية مسلم الثانية وإن كان أخرها رحمها الله والقاعدة المعروفة عند أهل العلم في مسلم انه ربما يكون ذكر الطرق الثانية التي تكون من باب الاستشهاد ويذكر الطرق القوية قبل ذلك ولكن هذا ليس دائمًا وكما يقع أيضًا في بعض ترتيب الأحاديث عند البخاري رحمه الله أنه لا يتبع طريقة واحدة في ترتيب الأحاديث في الطريقة التي يستشهد بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم (728(.
(2) أخرجه النسائي (1808)
(3)أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 203، والترمذي (416)، والنسائي 3/ 260 وابن ماجة(1140).