يقول السائل : لدينا مسجد بُنِيَ على قبور وبداخله قبر هل تجوز الصلاة في هذا المسجد علمًا أن هذه القبور عمرها مائة عما تقريبًا؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
واضح من السؤال أن المسجد بعد القبور؛ لأنه قال: بُنِيَ على قبور, وكذلك ذكر أن هذه المقبرة أن عمرها مائة عام تقريبًا, وإذا كان الأمر كذلك فهذا المسجد بُنِيَ على شرك وعبادة غير الله سبحانه وتعالى, ويجب إزالته ولا يجوز إقراره لأنه بُنِيَ على القبور, أو على قبر, وكل مسجد هذه صفته فالواجب إزالته, ولا يجوز إقراره, وقد تكاثرت الأخبار عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب وأجمع العلماء على أنه لا يجوز بناء المساجد على القبور, كما ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة للنبي عليه الصلاة والسلام في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل بنوا على قبره وصوروا فيه تلك الصور أولئكِ شرار الخلق يوم القيامة) أو (عند الله يوم القيامة)(1) وثبت أيضًا في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لعن الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (2) ثبت أيضًا في الصحيحين قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياهم مساجد) (3) وجاء في حديث جندب في صحيح مسلم أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول قبل موته بخمس ليال: (أنهم يتخذون ذلك عند قبور صالحيهم ويصلون ويعكفون عندها) (4) وثبت في صحيح مسلم أيضًا عن أبي مرثد الغنوي ما يبين أن الأمر أشد وأعظم حتى ولو لم يكن بناءً على القبور, لأنه قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) (5)) . نهى عن الصلاة إلى القبور, فإذا اتُخِذَ مسجدًا أو جُعِلَ مسجد فإنه يكون أعظم وأشد, فإذا كان الأمر كذلك فلا تصح الصلاة في هذا المسجد ويجب إزالته وهدمه, وقد ذكر العلماء أن للمسجد الذي بني على قبر أن له حالتين:
الحالة الأولى: تكون مقابر سابقة على المسجد فيبنى المسجد على هذه القبور فهذه الحالة هو ما تقدم ذكرها من وجوب هدمه.
الحالة الثانية: أن يكون المسجد سابق على القبور, أو على القبر فيدفن فيه القبر أو قبور فهذه الحالة يجب إزالة المتأخر, فلا يجتمع في دين الإسلام كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله "لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر" ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾(6) بنية عبادة الله سبحانه وتوحيده وذكره, وبناء المساجد على القبور أو ادخال القبور في المساجد ففي الصورة الأولى شركٌ وفي الصورة الثانية أيضًا شرك أو وسيلة إلى الشرك, وكلهما محرمان؛ لكن الوصف الأول أشد تحريمًا, فلا تجوز الصلاة في هذه المساجد إذا كان المسجد سابقًا على القبر ففي هذه الحالة قال العلماء: إذا كان القبر عن يمين المصلي أو عن شماله أو خلفه فإنه في هذه الحالة تصح الصلاة؛ لكن يجب إزالة القبر, وإن كان القبر أمام المصلي فلا يجوز أن يصلي في هذا المسجد, في هذا الموضع إذا كان القبر أمامه لقوله: (لا تصلي إلى القبور) وقد تقدم فلا يجوز الصلاة إليها, وكذلك أيضا هناك صورة أخرى: وهو إذا ما كان المسجد بُنِيَ أولا ثم حفر أو وضعت قبورٌ حوله, وهذا قد يقع في بعض البلاد من جهة أنه يقبر قريب من المسجد فربما تكون المقبرة عن يمين المسجد أو عن شماله أو أمامه بعيدًا عنه, ثم تمتد القبور وتقرب من المسجد وتحيط به, في هذه الحالة هل يكتفى بجدار المسجد لأنه لم يقصد البناء على القبور ولا أن يكون المسجد مبني على القبر إنما لأن القبور امتدت واتسعت أو كثرت فأحاطت؟ من أهل العلم من قال: يجب أن يكون هناك جدار آخر فاصل بين المسجد وبين المقبرة؛ لأن المصلي في المسجد والقبور أمامه وغن كان جدارا حائلًا فإنه يصلي إليها, فشرع وضع جدرًا آخر لتنفصل المقبرة انفصالًا تامًا وهذا هو الأبرأ والأحوط, أما إذا كانت المقبرة عن يمين المسجد وعن شمال المسجد فلا حرج في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري (427) ، ومسلم (528) .
(2) أخرجه البخاري (435) ، ومسلم (531) .
(3) أخرجه البخاري (437) ، ومسلم (530) .
)4) رواه مسلم (532(.
(5)رواه مسلم (972).
(6) سورة الجن الآية: 18.