هل صح شيء في فضائل مصر؟ أحسن الله إليكم.
الفضائل تؤخذ من السنة، وجاءت أحاديث كثيرة في أبواب الفضائل في البلاد وفي الأعياد، ومن ذلك ما جاء أيضًا في مصر ورد فيها من الفضائل ما رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه انه قال «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِىَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا وفي لفظا ذمةً وصهرا<br>وهذا أصح ما ورد في هذا. قالوا إن الرحم هو أم إسماعيل، وأن الصهر هو أم إبراهيم، وقوله فإن لهم ذمةً ورحماً؛ الذمة من الذمام وهو الحرمة والحق والعهد والميثاق. هذا هو أصح الأخبار التي وردت، وأما ما جاء من تخصيص القبط«اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا»(2) فهذا لا يصح ، وفي فضائل مصر أنه عليه الصلاة والسلام قال «إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض" قال أبو بكر: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " إنهم في رباط إلى يوم القيامة"» (3). وهذا لا يصح كذلك،<br> إنما هي رواية رواها ابن عبد الحكم في كتاب الفتوح وابن زولاق في فضائل مصر من طريق ابن لهيعة عن رجل مجهول، وفيه رجل مجهول الحال وهو "بحير بن ذاخر" والحديث إسناده ضعيف بل إسناده تالف، إنما الثابت ما تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي ذر جاء برواية عبد الرحمن بن شماس وجاء عبد الرحمن بن شماس برواية عن أبي بصرة عن أبي ذر والخطأ في فهم البعض أن العموم بأن الله ذكر مصر في القرآن في عدة آيات، وما جاء أيضًا من الفضائل العامة الواقعة في تاريخ الإنسان المقصود أن الفضائل والخصائص تتلقى من النصوص عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينبغي المبالغة ولا ينبغي التعلق، والفضائل وإن وردت في بعض بلاد، لكن الفضل لا يكون إلا بالعلم والإيمان وكما قال سلمان رضي الله عنه هيا إلى البلاد المقدسة (4) <br> قال إنما يقدس المرء عمله، فكانت مكة قبل الهجرة دار شرك وفيها المشركون ثم صارت دار الإسلام، وكذلك المدينة كانت دار شرك ثم صارت دار إسلام، والمعنى لا تعلق بالبلاد ولا الأماكن، ولا ينبغي الغلو والمبالغة في مثل هذا ولا ينبغي العداوة والبغضاء في هذا، بل يكون الإنسان همته الفضائل في الأعمال التي ترفعه وتكرمه عند الله تعالى، أيضًا ما ينبغي الغلو مثل مايقول بعض الناس ويطلق العبارات المشتهرة مثل "أم الدنيا" هذه العبارة فيها نظر ما أدري عنها، لكن الأولى تركها من جهة أن مكة أم القرى ومن حولها، والأم هي الأصل وأم الدنيا هي كلمة أوسع من أم القرى فهي خاصة بالقرى دون البر، لكن أم الدنيا تشمل البر والبحر والقرى والهجر، وعلى هذا ربما يقال أن هذا اللفظ فيه مخالفة لما جاء في ذكر مكة وأنها أم القرى من هذه الجهة، فكان الأولى ترك مثل هذا الشيء الذي يكون نوع من المبالغة، والحمد لله الفضائل كما تقدم تكون بالرفعة في الدين والعمل الصالح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم رقم ( 2545).
(2) عن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا فُتِحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم دماً ورحمًا" . وفي رواية: "إن لهم ذمة ورحمًا" يعني أن أم إسماعيل منهم أخرجه الطبراني رقم (111). وأخرجه الحاكم رقم (4032) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/63) وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.
(3) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض ، فقال له أبو بكر : ولم يا رسول الله قال : لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة " هذا الحديث جزءٌ من حديثٍ طويلٍ أخرجه ابن عبدالحكم في فتوح مصر (3) والدارقطني في المؤتلف والمختلف (2/1003) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/162)، وابن زولاق في فضائل مصر (83) وابن عساكر في تاريخ دمشق (46/161) من طريقين عن عبد الله بن لهيعة عن الأسود بن مالك الحميري عن بَحير بن ذاخر المعافري عن عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وإسنادُه ضعيف، لأنّ مداره على ابن لهيعة وهو ضعيف، وفيه أيضاً الأسود بن مالك ولم أجد له ترجمة، وبحير بن ذاخر مجهول الحال.ولهذا الجزء من الحديث شاهدٌ من حديث أبي سالم الجيشاني، أخرجه ابن عبد الحكم أيضاً (4) وإسناده ضعيف لأنَّ مدراه على ابن لهيعة أيضاً .
(4) روى مالك في "الموطأ" (1459) عن يحيى بن سعيد : أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة يعني بلاد الشام ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُهُ "