يقول السائل : كيف يأتي المسلمين نصر الله وهم بهذه الحالة التي لا تخفى؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
لا شك أن نصر الله سبحانه وتعالى مشروط، ولا يكون المشروط إلا بوجود شرطه[1]، قال عز وجل:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}[محمد:7]. وقال سبحانه:{ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ}[الحج:40].
ونصر الله سبحانه وتعال بنصر دينه، ونصر شرعه، وهذا واقع لما تراجع الناس، وضعف أهل الإسلام، وحصل بينهم النزاع والاختلاف، حصل تسلط الأعداء، وقد امتن سبحانه وتعالى على الإسلام بنعمة الائتلاف.
كما قال سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}([2]). فلا شك أن الاختلاف والنزاع من أعظم أسباب الفشل والهزيمة، وفي الحديث المشهور حديث ثوبان رضي الله عنه، أخبر عليه الصلاة والسلام «أنكم غثاء كغثاء السيل»[3]. بمعنى أن أعدادكم كثير، لكن لم يحصل شرط العزة والنصر بالتمسك بالدين، وظهور السنة، وظهور العلم. ولهذا عند فوات هذه الأمور يكثر الجفاء، وتكثر الأهواء، وتكثر البدع والضلالات، وينفذ الأعداء، كما هو حال أهل الإسلام اليوم، فلا عزة ولا نصر إلا بالرجوع إلى دينه سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}([4]). وهذا هو الواجب بين أهل الإسلام من عموم المسلمين، وكذلك قادة المسلمين الواجب عليهم هو الائتلاف والاجتماع، ولذا ظهر ذلك واضحاً جلياً في صدر الإسلام حينما كانوا متمسكين بالسنة، لكن الأمر كما أخبر عليه الصلاة والسلام «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم»[5].
وسئل الحسن رحمه الله عن عهد عمر بن عبد العزيز، بعد عهد سليمان بن عبد الملك، والذي بعده من أولاد عبد الملك بن مروان، قال لابد للناس من تنفيس[6]، يعني يحصل رجوع إلى الدين، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر في الحديث المتواتر «أنه لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم»[7]. نسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1] ) حاشية الروض المربع لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي 1/55. العناية شرح الهداية 7/429 ، البناية للعيني 11/40 . المبدع لابن مفلح 7/304 .
([2]) سورة: آل عمران، الآية (103).
([3] ) عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ:"حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " أخرجه أحمد: (22397) وأبو داود (4297).
([4]) سورة: محمد، الآية (7).
([5] ) عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: "اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أخرجه البخاري (7068).
([6] ) سُئل الحسنُ عنه فقيل : ما بالُ زمان عمر بن عبدِ العزيز بعد زمان الحجَّاجِ ؟ فقال : لابُدَّ للناس من تَنْفِيس . يعني أنَّ اللّهَ يُنَفِّسَ عن عِبادِه وقتاً مَّا ويكْشفُ البَلاءَ عنهم حِيناً. انظر فتح الباري - ابن حجر (13/ 21) وتحفة الأحوذي (6/ 373).
([7] )عن مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ»،
أخرجه البخاري (7460). ومسلم (1037).