السؤال:يقول أشعر بوساوس وتخيلات ثم استغفر الله، فما حكم ذلك؟
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد ;
الوساوس التي ترد بالإنسان عليه أن يتعوذ من شرها، وألا يلتفت إليها، والصحابة -رضي الله عنهم- قد سألوا النبي عن ذلك –عليه الصلاة والسلام-، وقال: «الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة»(1)، وقال في حديث ابن مسعود: «ذلك محض الإيمان»(2) أخرجه مسلم والأول عن أبي هريرة عند مسلم. وقال أيضًا في روايةٍ صحيحة: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ إِلَّا عَلَى الْوَسْوَسَةِ" (3) روايةٌ صحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود بسندٍ عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قالوا: يا رسول الله إن أحدنا يعني يقوم بنفسه ونحو ذلك إلى أن يكون حممةً أحب إليه من أن يتكلم به(4).فبيّن لهم -عليه الصلاة والسلام- أن هذا من الوسوسة، وأن هذا من كيده، والحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة، وأنه لم يصل إليهم إلا بمثل هذه الوسوسة. والمعنى أن ما يقوم بقلب المؤمن والمسلم من هذه الوساوس ويكرهها، هذا هو الإيمان، ومحض الإيمان، ولذا الذي أوصي نفسي وإخواني في مثل هذا المقام أن الإنسان ينبغي أن يعرض عنها.
أيضا لا ينبغي أن يتكدر بها أو أن يتنكد بها؛ فالصحابة وقعوا مع فهم ذلك، وأمرهم بالالتهاء عنها، والانصراف عنها، لما سألوا النبي مسألة كفوا عن ذلك، ولذا لا ينبغي كثرة السؤال عنها، ولا التحدث بها ولا ذكرها، لأن هذا مما يزيدها، لكن يعني عدم الحديث بها وعدم ذكرها سببٌ لإماتتها، وهكذا الأقوال الباطلة. يقول العلماء: الأقوال الباطلة لا ينبغي ذكرها؛ لأن ذكرها ربما يسبب انتشارها إلا على وجه يكون على سبيل التحذير لمن ينخدع بها، لكن الأقوال الباطلة التي ظهر بطلانها، مثل هذا، لا ينبغي ذكرها ولا التكلم بها؛ لأنه سببٌ لموتها وذهابها، وإذا حصل للإنسان شيءٌ من هذا لا يتنكد ولا يتكدر، بل يحمد الله سبحانه وتعالى أن ردنا كما قال عليه الصلاة والسلام: «أن الله رد كيده إلى الوسوسة»، وكما قال بعض السلف: حينما يأتيك الشيطان بمثل هذه الوساوس التي يوسوس لك فيها، فافرح بذلك؛ حيث أنه لم يصل منك إلى شيء إلا الوسوسة، السارق لا يأتي البيت الخرب، يأتي البيت العامر بالمال، أما البيوت الخربة لا يأتيها؛ لأنه ليس فيها مال، كما قال ابن عباس لمن سُئل عن اليهود والنصارى. قالوا: إن لا نوسوس في صلاتنا وأنتم توسوسون.
قال: صدقوا. ماذا يعمل اللص في البيت الخرب؟ فيها من الشرك والكفر ما لا يريده من الشيطان وقعوا في الكفر، فهذا هو المشروع، ولهذه إذا وسوس لك في أمور من الخير حتى تتركها فازدد منها، كما قال بعضهم: إذا جاءك الشيطان وقال لك إنك مراءٍ في سجودك فزده طولًا، مراءٍ في قراءة القرآن ازدد من قراءة القرآن وهكذا. فهذا هو من أعظم أسباب ذهابها.
أيضًا عدم التكدر والتنكد بها، بل الإنسان يقبل على ربه -سبحانه وتعالى- مع الإعراض عنها وعدم المبالاة بها، ثم عدم السؤال عنها، وعدم تكرارها وعدم ذكرها، هذا هو المشروع كما أرشد إليه النبي –عليه الصلاة والسلام-.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود (5112)، النسائي (10434) وهو في "مسند أحمد" (2097)، و"صحيح ابن حبان" (147).
(2) أخرجه مسلم (133) .
(3) في "مسند أحمد" (3161)،
(4) أخرجه أبو داود (5112)، النسائي (10434) وهو في "مسند أحمد" (2097)، و"صحيح ابن حبان" (147).